أَن يجمعوا الْغَنَائِم فِي مربد فتأتي نَار من السَّمَاء فتحرقها، فَإِن كَانَ فِيهَا غلُول أَو مَا لَا يحل لم تأكلها، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي قرابينهم كَانَ المتقبل تَأْكُله النَّار، وَمَا لَا يتَقَبَّل يبْقى على حَاله وَلَا تَأْكُله، ففضل الله هَذِه الْأمة وَجعلهَا خير أمة أخرجت للنَّاس وَأَعْطَاهُمْ مَا لم يُعْط أحدا غَيرهم، وَأحل لَهُم الْغَنَائِم، ثمَّ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الحَدِيث بقوله: رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلها لنا رَحْمَة من الله علينا، وَهِي من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي أكل النَّار غنائمهم والتحليل لنا؟ قلت: جعل هَذَا فِي حَقهم حَتَّى لَا يكون قِتَالهمْ لأجل الْغَنِيمَة لقصورهم فِي الْإِخْلَاص، وَأما تحليلها فِي حق هَذِه الْأمة فلكون الْإِخْلَاص غَالِبا عَلَيْهِم، فَلم يحْتَج إِلَى باعث آخر.
٩ - (بَاب الْغَنِيمَة لمن شهد الْوَقْعَة)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون الْغَنِيمَة لمن شهد، أَي: حضر الْوَقْعَة أَي: صدمة الْعَدو، وَهَذَا قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَلِيهِ جمَاعَة الْفُقَهَاء. فَإِن قلت: قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجَعْفَر بن أبي طَالب، وَلمن قدم فِي سفينة أبي مُوسَى من غَنَائِم خَيْبَر لمن لم يشهدها؟ قلت: إِنَّمَا فعل ذَلِك لشدَّة احتياجهم فِي بَدْء الْإِسْلَام فَإِنَّهُم كَانُوا للْأَنْصَار تَحت منح من النخيل والمواشي لحاجتهم، فضاقت بذلك أَحْوَال الْأَنْصَار، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي ذَلِك فِي شغل فَلَمَّا فتح الله خَيْبَر عوض الشَّارِع الْمُهَاجِرين ورد إِلَى الْأَنْصَار منائحهم، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: رَحمَه الله أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استطاب أنفس أهل الْغَنِيمَة، وَقد رُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة كَمَا يَجِيء عَن قريب.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:(إلَاّ قسمتهَا بَين أَهلهَا) وَصدقَة بِلَفْظ أُخْت الزَّكَاة ابْن الْفضل أَبُو الْفضل الْمروزِي، وَهُوَ من أَفْرَاده وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن مهْدي الْبَصْرِيّ، وَأسلم مولى عمر بن الْخطاب يكنى أَبَا خَالِد كَانَ من سبي الْيمن.
قَوْله:(لَوْلَا آخر الْمُسلمين) ، الْمَعْنى: لَو قسمت كل قَرْيَة على الفاتحين لما بَقِي شَيْء لمن يَجِيء بعدهمْ من الْمُسلمين، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ حَقهم لم لَا يقسم عَلَيْهِم، فَأجَاب بِأَنَّهُ يسترضيهم بِالْبيعِ وَنَحْوه ويوقفه على الْكل، كَمَا فعل بِأَرْض الْعرَاق وَغَيرهَا. قَوْله:(كَمَا قسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر) ، وَلم يكن قسم خَيْبَر بكمالها، وَلكنه قسم مِنْهَا طَائِفَة وَترك طَائِفَة لم يقسمها، وَالَّذِي قسم، مِنْهَا هُوَ الشق والنطاءة، وَترك سائرها فللإمام أَن يفعل من ذَلِك مَا رَآهُ صلاحاً، وَاحْتج عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي ترك قسْمَة الأَرْض. بقوله تَعَالَى:{مَا أَفَاء الله على رَسُوله}(الْحَشْر: ٧) . إِلَى قَوْله:{وَالَّذين جاؤا من بعدهمْ}(الْحَشْر: ٧) . الْآيَة، وَقَالَ عمر: هَذِه الْآيَة قد استوعبت النَّاس كلهم فَلم يبْق أحد مِنْهُم إلَاّ وَله فِي هَذَا المَال حق حَتَّى الرَّاعِي بعدِي، وَقَالَ أَبُو عبيد: وَإِلَى هَذِه الْآيَة ذهب عَليّ ومعاذ، رَضِي الله تَعَالَى عنهُما، وَأَشَارَ عمر بِإِقْرَار الأَرْض لمن يَأْتِي بعده.
وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي حكم الأَرْض، فَقَالَ أَبُو عبيد: وجدنَا الْآثَار عَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده قد جَاءَت فِي افْتِتَاح الأَرْض ثَلَاثَة أَحْكَام. أَرض أسلم أَهلهَا عَلَيْهَا فَهِيَ لَهُم ملك، وَهِي أَرض عشر لَا شَيْء فِيهَا غَيره. وَأَرْض افتتحت صلحا على خراج مَعْلُوم فهم على مَا صولحوا عَلَيْهِ لَا يلْزمهُم أَكثر مِنْهُ. وَأَرْض أخذت عنْوَة وَهِي الَّتِي أختلف فِيهَا الْمُسلمُونَ، فَقَالَ بَعضهم: سبيلهم سَبِيل الْغَنِيمَة فَيكون أَرْبَعَة أخماسها حصصاً بَين الَّذين افتتحوها خَاصَّة، وَالْخمس الْبَاقِي لمن سمى االله، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر، وَبِه أَشَارَ الزبير بن الْعَوام على عَمْرو بن الْعَاصِ حِين افْتتح مصر، قَالَ أَبُو عبيد: وَقَالَ بَعضهم: بل حكمهَا وَالنَّظَر فِيهَا إِلَى الإِمَام إِن رأى أَن يَجْعَلهَا غنيمَة فيخمسها ويقسمها، كَمَا فعل رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَذَلِك لَهُ، وَإِن رأى أَن يَجْعَلهَا مَوْقُوفَة على الْمُسلمين مَا بقوا كَمَا فعل عمر فِي السوَاد، فَذَلِك لَهُ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وصاحبيه وَالثَّوْري فِيمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ وَقَالَ مَالك: يجْتَهد فِيهَا الإِمَام وَقَالَ فِي الْقنية: الْعَمَل فِي أَرض العنوة على فعل عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن لَا تقسم وتقر بِحَالِهَا، وَقد ألح بِلَال، وَأَصْحَاب لَهُ على عمر فِي قسم الأَرْض بِالشَّام، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أكفنيهم فَمَا أَتَى الْحول وَقد بَقِي مِنْهُم أحد.