الْقَائِلين بتخليد صَاحب الْكَبِيرَة إِذا مَاتَ من غير تَوْبَة فِي النَّار، بل يكون وسطا بَينهمَا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يرجون رَحمته وَيَخَافُونَ عَذَابه} (الْإِسْرَاء: ٧٥) قَوْله: (قُتَيْبَة بن سعيد) فِي رِوَايَة أبي ذَر لم يذكر ابْن سعيد. قَوْله: (وَعَمْرو بن أبي عَمْرو) وبالواو فيهمَا مولى الْمطلب وَهُوَ تَابِعِيّ صَغِير وَشَيْخه تَابِعِيّ وسط وَكِلَاهُمَا مدنيان.
والْحَدِيث من أَفْرَاده وَقد مر فِي الْأَدَب فِي: بَاب جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء، من طَرِيق سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة وَلَفظه: جعل الله الرَّحْمَة مائَة جُزْء.
قَوْله: (إِن الله خلق الرَّحْمَة) أَي: الرَّحْمَة الَّتِي جعلهَا فِي عباده، وَهِي مخلوقة، وَأما الرَّحْمَة الَّتِي هِيَ صفة من صِفَاته فَهِيَ قَائِمَة بِذَاتِهِ عز وَجل. قَوْله: (مائَة رَحْمَة) أَي: مائَة نوع من الرَّحْمَة، أَو مائَة جُزْء كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي تقدم فِي الْأَدَب. قَوْله: (فِي خلقه كلهم) ويروى: كُله، قَالَه الْكرْمَانِي. قَوْله: (فَلَو يعلم الْكَافِر) هَكَذَا ثَبت فِي هَذَا الطَّرِيق بِالْفَاءِ إِشَارَة إِلَى ترَتّب مَا بعْدهَا على مَا قبلهَا، وَمن ثمَّ قدم ذكر الْكَافِر لِأَن كَثْرَة الرَّحْمَة وسعتها تَقْتَضِي أَن يطمعها كل أحد، ثمَّ ذكر الْمُؤمن اسْتِطْرَادًا، وَالْحكمَة فِي التَّعْبِير بالمضارع دون الْمَاضِي الْإِشَارَة إِلَى أَنه لم يَقع لَهُ علم ذَلِك، وَلَا يَقع لِأَنَّهُ إِذا امْتنع فِي الْمُسْتَقْبل كَانَ مُمْتَنعا فِيمَا مضى، وَقد صرح ابْن الْحَاجِب: أَن لَو لانْتِفَاء الأول لانْتِفَاء الثَّانِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا} (الْأَنْبِيَاء: ٢٢) فانتفاء التَّعَدُّد بِانْتِفَاء الْفساد وَلَيْسَ هَهُنَا كَذَلِك، إِذْ فِيهِ انْتِفَاء الثَّانِي وَهُوَ انْتِفَاء الرَّجَاء لانْتِفَاء الأول كَمَا فِي قَوْله: لوجئتني لأكرمتك، فَإِن الْإِكْرَام مُنْتَفٍ لانْتِفَاء الْمَجِيء. قَوْله: (بِكُل الَّذِي) قيل: فِيهِ إِشْكَال لِأَن لَفْظَة: كل، إِذا أضيفت إِلَى الْمَوْصُول كَانَت إِذْ ذَاك لعُمُوم الْأَجْزَاء لَا لعُمُوم الْإِفْرَاد، وَالْغَرَض من سِيَاق الحَدِيث تَعْمِيم الْإِفْرَاد. وَأجِيب: بِأَنَّهُ وَقع فِي بعض طرقه: أَن الرَّحْمَة قسمت مائَة جُزْء فالتعميم حينئذٍ لعُمُوم الْإِجْزَاء فِي الأَصْل، وَنزلت الْأَجْزَاء منزلَة الْأَفْرَاد مُبَالغَة. قَوْله: (لم ييأس من الْجنَّة) من الْيَأْس وَهُوَ الْقنُوط يُقَال: يئس بِالْكَسْرِ ييأس وَفِيه لُغَة أُخْرَى بِكَسْر الْهمزَة من مستقبله وَهُوَ شَاذ، وَقَالَ الْمبرد، مِنْهُم من يُبدل الْهمزَة فِي الْمُسْتَقْبل أَو الْيَاء الثَّانِيَة ألفا فَتَقول: ييأس ويائس. فَإِن قلت: مَا معنى (لم ييئس من الْجنَّة) قلت: قيل: المُرَاد أَن الْكَافِر لَو علم سَعَة الرَّحْمَة لغطى على مَا يُعلمهُ من عَظِيم الْعَذَاب فَيحصل لَهُ الرَّجَاء، وَقيل: المُرَاد أَن مُتَعَلق علمه بسعة الرَّحْمَة مَعَ عدم التفاته إِلَى مقابلها يطمعه فِي الرَّحْمَة.
٠٢ - (بابُ الصَّبْرِ عنْ مَحارِمِ الله)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الِاجْتِهَاد فِي الصَّبْر عَن محارم الله أَي: محرماته، قَالَه الْكرْمَانِي: قلت: الْمَحَارِم جمع مُحرمَة بِفَتْح الميمين وَجَاء بِضَم الرَّاء أَيْضا، قَالَ الْجَوْهَرِي: الْحُرْمَة مَا لَا يحل انتهاكه، وَكَذَلِكَ الْمُحرمَة بِفَتْح الرَّاء وضما، وَالصَّبْر حبس النَّفس وَتارَة يسْتَعْمل بِكَلِمَة: عَن، كَمَا فِي الْمعاصِي، يُقَال: صَبر عَن الزِّنَا، وَتارَة بِكَلِمَة: على، كَمَا فِي الطَّاعَات يُقَال: صَبر على الصَّلَاة، وَنَحْو ذَلِك.
وَقَوْلِهِ عَزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا يُوفى الصَّابِرُونَ أجرهم بِغَيْر حِسَاب} (الزمر: ٠١) [/ ح.
وَقَوله، بِالْجَرِّ عطف على قَوْله: الصَّبْر عَن محارم الله، هَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر، هَكَذَا بِلَفْظ قَوْله، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيره لفظ: قَوْله، وَفِي بعض النّسخ: وَقَوله عز وَجل، وَهَذَا أحسن وَلَفظ: الصَّابِرُونَ، يحْتَمل أَن يسْتَعْمل: بعن وبعلى، كَمَا ذكرنَا آنِفا، أَن اسْتِعْمَاله بِالْوَجْهَيْنِ، وَأَرَادَ بقوله: {بِغَيْر حِسَاب} الْمُبَالغَة بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا.
وَقَالَ عُمَرُ: وَجَدْنا خَيْرَ عَيْشِنا بالصَّبْرِ
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَوْله؛ بِالصبرِ، كَذَا هُوَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي رِوَايَة الْكشميهني. بِحَذْف الْبَاء فَيكون مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض، وَقَالَ بَعضهم: وَالْأَصْل فِي الصَّبْر وَالْبَاء بِمَعْنى: فِي.
قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا، وَالْبَاء على حَالهَا للإلصاق، أَي؛ وجدنَا. ملتصقاً بِالصبرِ، وَيجوز أَن تكون للاستعانة.
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي (كتاب الزّهْد) بِسَنَد صَحِيح عَن مُجَاهِد، قَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وجدنَا خير عيشنا الصَّبْر.
٠٧٤٦ - حدّثنا أبُو اليَمانِ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أخْبَرَنِي عَطاءٌ بنُ يَزِيدَ أنَّ أَبَا سَعِيد