وَكسر التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْبَاء آخر الْحُرُوف وبالراء، وَهِي النسيكة الَّتِي تعتر أَي: تذبح، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة يذبحونها فِي الْعشْر الأول من رَجَب ويسمونها الرجبية، وأوله الشَّافِعِي على أَن المُرَاد لَا فرع وَاجِب وَلَا عتيرة وَاجِبَة. قلت: يرد هَذَا التَّأْوِيل إِحْدَى روايتي النَّسَائِيّ فِي هَذَا الحَدِيث بِلَفْظ: نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، وَقد جَاءَ هَكَذَا فِي رِوَايَة لِأَحْمَد أَيْضا. لَا فرع وَلَا عتيرة فصورته نفي وَمَعْنَاهُ نهي.
وَقد اخْتلفت الْأَحَادِيث فِي حكم الْفَرْع وَالْعَتِيرَة فروى النَّسَائِيّ من حَدِيث الْحَارِث بن عَمْرو أَنه لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حجَّة الْوَدَاع الحَدِيث، وَفِيه قَالَ رجل من النَّاس: يَا رَسُول الله {العتائر والفرائع؟ قَالَ: من شَاءَ عتر وَمن شَاءَ لم يعتر، وَمن شَاءَ فرع وَمن شَاءَ لم يفرع، وروى النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي ذَر بن لَقِيط بن عَامر الْعقيلِيّ قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله} إِنَّا كُنَّا نذبح فِي الْجَاهِلِيَّة فِي رَجَب فنأكل ونطعم من جَاءَنَا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا بَأْس بِهِ، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، سُئِلَ عَنْهَا يَوْم عَرَفَة فَقَالَ: هِيَ حق، يَعْنِي: العتيرة وروى أَيْضا فِيهِ من حَدِيث أنس قَالَ: قَالَ رجل: يَا رَسُول الله {إِنَّا كُنَّا نعتر فِي الْجَاهِلِيَّة. قَالَ: اذبحوا فِي أَي شهر كَانَ وأطعموا. وروى أَيْضا فِيهِ من حَدِيث يزِيد بن عبد الله الْمُزنِيّ عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: فِي الْإِبِل فرع، وَفِي الْغنم فرع. وروى عبد الرَّزَّاق من حَدِيث حَفْصَة بنت عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق عَن عَائِشَة. قَالَت: أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالفرع من كل خمسين وَاحِدَة، وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مخنف سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَرَفَة يَقُول: يَا أَيهَا النَّاس إِن على كل أهل بَيت فِي كل عَام أضْحِية وعتيرة، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وروى أَبُو دَاوُد عَن نُبَيْشَة، قَالَ: نَادَى رجل: يَا رَسُول الله} إِنَّا كُنَّا نعتر عتيرة فِي الْجَاهِلِيَّة فِي رَجَب، فَمَا تَأْمُرنَا؟ قَالَ: اذبحوا لله فِي أَي شهر كَانَ. قَالَ: إِنَّا كُنَّا نفرع فرعا فِي الْجَاهِلِيَّة فَمَا تَأْمُرنَا؟ فَقَالَ: فِي كل سَائِمَة فرع قَالَ أَبُو قلَابَة: السَّائِمَة مائَة. فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كلهَا تدل على الْإِبَاحَة. وَقَالَ ابْن بطال: وَكَانَ ابْن سِيرِين من بَين الْعلمَاء يذبح العتيرة فِي رَجَب، وَفِي (الْآثَار) للطحاوي، وَكَانَ ابْن عمر يعتر، وَقَالَ النَّوَوِيّ: الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا وَهُوَ نَص الشَّافِعِي، اسْتِحْبَاب الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، وَزعم القَاضِي عِيَاض والحازمي أَن حَدِيث النَّهْي نَاسخ لأحاديث الْإِبَاحَة، وَعَلِيهِ جَمَاهِير الْعلمَاء، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمَعْلُوم أَن النَّهْي لَا يكون إلَاّ عَن شَيْء قد كَانَ يفعل، وَلَا نعلم أَن أحدا من أهل الْعلم يَقُول: إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ نَهَاهُم عَنْهُمَا أَي: عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة، ثمَّ أذن فيهمَا.
قَوْله: (وَالْفرع أول النتيجة) ، إِلَى آخِره ذكر أَبُو قُرَّة مُوسَى بن طَارق فِي (كتاب السّنَن) تأليفه: أَن تَفْسِير العتيرة وَالْفرع من كَلَام الزُّهْرِيّ.
٤ - (بَابٌ: {فِي العَتِيرَةِ} )
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان العتيرة، وَقد مر تَفْسِيرهَا.
٥٤٧٤ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ الزُّهْرِيُّ حدَّثَنا عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا فَرَعَ وَلا عَتِيرَةِ.
قَالَ: وَالفَرَعُ أوَّلُ نِتاجٍ كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ. وَالعَتِيرَةُ فِي رَجَبٍ.
أعَاد الحَدِيث الْمَذْكُور فِيمَا قبله بِعَيْنِه من رِوَايَة عَليّ بن عبد الله الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. وَاخْتلف فِي سُفْيَان هَذَا فَفِي مُسلم: هُوَ ابْن عُيَيْنَة وَقَالَ النَّسَائِيّ: حَدثنَا ابْن مثنى عَن أبي دَاوُد عَن شُعْبَة، قَالَ: أخبرنَا حَدِيث أبي إِسْحَاق عَن معمر وسُفْيَان بن حُسَيْن عَن الزُّهْرِيّ قَالَ أَحدهمَا: لَا فرع وَلَا عتيرة، وَقَالَ الآخر: نهى عَن الْفَرْع وَالْعَتِيرَة. وَالصَّوَاب الأول.
قَوْله: (قَالَ الزُّهْرِيّ: حَدثنَا عَن سعيد) أَي: قَالَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ حَال كَونه حَدثنَا عَن سعيد بن الْمسيب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (لطواغيتهم) جمع طاغية وَهِي مَا كَانُوا يعبدونه من الْأَصْنَام وَغَيرهَا.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
وَقعت الْبَسْمَلَة هَكَذَا قبل ذكر الْكتاب فِي رِوَايَة أبي الْوَقْت، وَوَقعت فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ بعد ذكر الْكتاب، وَالْأول أوجه.
٧٢ - (كِتابُ: {الذَّبائِح والصَّيْدِ} )