الشِّبَع يمْنَع طول الْأكل المستلذ مِنْهُ مُدَّة الشِّبَع، وَالْمَقْصُود مِنْهُ بَيَان حرصه وَترك القناعة كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يشْبع عَيْنك شَيْء. وَيُقَال: وَاخْتلف فِي الشِّبَع فِي الْجنَّة، وَالصَّوَاب: أَن لَا يشْبع فِيهَا، إِذْ لَو كَانَ لمنع دوَام الْأكل المستلذ وَأكل أهل الْجنَّة لَا عَن جوع فِيهَا.
قَوْله: فَقَالَ الْأَعرَابِي مُفْرد الْأَعْرَاب. قَالَه الْكرْمَانِي، وَفِيه تَأمل، والأعراب جنس من الْعَرَب يسكنون الْبَوَادِي لَا زرع لَهُم وَلَا استنبات.
٣٩ - (بابُ ذِكْرِ الله بالأمْرِ وذِكْرِ العِبادِ بالدُّعاءِ والتَّضَرُّعِ والرِّسالَةِ والإبْلَاغِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ يكون بأَمْره لَهُم بِعِبَادَتِهِ والتزام طَاعَته، وَيكون مَعَ رَحمته لَهُم وإنعامه عَلَيْهِم إِذا أطاعوه أَو بعذابه إِذا عصوه. قَوْله: وَذكر الْعباد لَهُ بِأَن يَدعُوهُ ويتضرعوا لَهُ ويبلغوا رسَالَته إِلَى الْخَلَائق يَعْنِي: المُرَاد بذكرهم الْكَمَال لأَنْفُسِهِمْ والتكميل للْغَيْر، وَقيل: الْبَاء فِي قَوْله: بِالْأَمر بِمَعْنى: مَعَ. قَوْله: والإبلاغ هَذَا هَكَذَا فِي رِوَايَة غير الْكشميهني وَفِي رِوَايَته: والبلاغ.
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ياَقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُو اْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُو اْ إِلَىَّ وَلَا تُنظِرُونَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
احْتج البُخَارِيّ بقوله تَعَالَى: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} أَن العَبْد إِذا ذكر الله بِالطَّاعَةِ يذكرهُ الله عز وَجل بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَة. وَعَن ابْن عَبَّاس، فِي هَذِه الْآيَة: إِذا ذكر العَبْد ربه وَهُوَ على طَاعَته ذكره برحمته، وَإِذا ذكره وَهُوَ على مَعْصِيَته ذكره بلعنته. وَذكر الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا مَعَاني كَثِيرَة لَيْسَ هَذَا الْموضع مَحل ذكرهَا.
قَوْله {واتل عَلَيْهِم نبأ نوح} قَالَ ابْن بطال: أَشَارَ إِلَى أَن الله تَعَالَى ذكر نوحًا، عَلَيْهِ السَّلَام، بِمَا بلغ بِهِ من أمره وَذكر بآيَات ربه، وَكَذَلِكَ فرض على كل نَبِي تَبْلِيغ كِتَابه وشريعته. وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَي يَا مُحَمَّد اقْرَأ على الْمُشْركين خبر نوح أَي: قصَّته، وَفِيه دَلِيل على نبوته حَيْثُ أخبر عَن قصَص الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، وَلم يكن يقْرَأ الْكتب. قَوْله: {إِذا قَالَ} أَي: حِين قَالَ لِقَوْمِهِ: {إِن كانبحير} أَي عظم وَثقل وشق {عَلَيْكُم مقَامي} أَي مكثي بَين أظْهركُم. وَقَالَ الْفراء: الْمقَام بِضَم الْمِيم الْإِقَامَة وَبِفَتْحِهَا الْموضع الَّذِي يقوم فِيهِ. قَوْله: {وتذكيري بآيَات الله} أَي: عظتي وتخويفي إيَّاكُمْ عُقُوبَة الله. قَوْله: {فعلى الله توكلت} جَوَاب الشَّرْط، وَكَانَ متوكلاً على الله فِي كل حَال، وَلَكِن بَين أَنه متوكل فِي هَذَا على الْخُصُوص ليعلم قومه أَن الله تَعَالَى يَكْفِيهِ أَمرهم أَي: إِن لم تنصروني فَإِنِّي أتوكل على من ينصرني. قَوْله: {فاجمعوا أَمركُم} من الْإِجْمَاع وَهُوَ الإعداد والعزيمة على الْأَمر. قَوْله: {وشركاءكم} أَي: وَأمر شركائكم، أَقَامَ الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَام الْمُضَاف. قَوْله: غمَّة يَأْتِي تَفْسِيره الْآن. قَوْله: {ثمَّ اقضوا عَليّ} أَي: مَا فِي نفوسكم من مَكْرُوه مَا تُرِيدُونَ. قَوْله: أَي: وَلَا تمهلون. قَوْله: {وَلَا تنْظرُون} أَي: أعرضتم عَن الْإِيمَان {فَمَا سألتكم من أجر} يَعْنِي: لم يكن دعائي إيَّاكُمْ طَمَعا فِي مالكم. قَوْله: {إِن أجري إِلَّا على الله} أَي: مَا أجري وثوابي إلَاّ على الله. قَوْله: {أمرت أَن أكون من الْمُسلمين} أَي: أَن أنقاد لما أمرت بِهِ فَلَا يضرني كفركم وَإِنَّمَا يضركم.
غُمَّةٌ: هَمٌّ وضِيقٌ.
فسر الْغُمَّة الْمَذْكُورَة فِي الْآيَة بالهم والضيق، يُقَال: الْقَوْم فِي غمَّة إِذا غطى عَلَيْهِم أَمرهم والتبس، وَمِنْه: غم الْهلَال أَي: غشيه مَا غطاه، وَأَصله مُشْتَقّ من الغمامة.
قَالَ مُجاهِدٌ: إليَّ مَا فِي أنْفُسِكُمْ، يُقالُ افْرُقِ اقْضِ.
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى تَفْسِير مُجَاهِد. قَوْله: ثمَّ اقضوا إليّ مَا فِي أَنفسكُم من إهلاكي وَنَحْوه من سَائِر الشرور، وَوصل