فَأَنا كافلهم وَإِلَى ملجؤهم ومأواهم، وَإِن تركُوا دينا فعلي أَدَاؤُهُ فَلذَلِك وَصفَة الله فِي كِتَابه بقوله: {بِالْمُؤْمِنِينَ رؤوف رَحِيم} (التَّوْبَة: ٨٢١) وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن تفسر الْآيَة أَيْضا وَزَاد فِي رِوَايَة الْأَصْلِيّ هُنَا: {وأزواجه أمهاتهم} (الْأَحْزَاب: ٦) وَقَالَ عِيَاض: وَهِي زِيَادَة فِي الحَدِيث لَا معنى لَهَا هُنَا، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا يلتئم قَوْله: {وأزواجه أمهاتهم} إِذا قُلْنَا إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَالْأَبِ المشفق لَهُم بل هُوَ أراف وأرحم بهم. قَوْله: (فَمن مَاتَ) الْفَاء فِيهِ تفسيرية مفصلة لما أجمل من قَوْله: (أَنا أولى بِالْمُؤْمِنِينَ) قَوْله: (فَمَاله لموَالِي الْعصبَة) قد مر تَفْسِيره الْآن قَوْله: (وَمن ترك كلاًّ) بِفَتْح الْكَاف وَتَشْديد اللَّام وَهُوَ الثّقل، قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ كل على مَوْلَاهُ} (النَّحْل: ٦٧) . وَجمعه: كلول، وَهُوَ يَشْمَل الدّين والعيال. قَوْله: (أَو ضيَاعًا) بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة مصدر من ضَاعَ الشَّيْء يضيع ضَيْعَة وضياعاً أَي: هلك، قيل: فَهُوَ على تَقْدِير مَحْذُوف أَي: ذَا ضيَاع، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الضّيَاع اسْم مَا هُوَ فِي معرض أَن يضيع إِن لم يتعهد: كالذرية الصغار والزمن الَّذين لَا يقومُونَ بِكُل أنفسهم وَمن يدْخل فِي معناهم، وَقَالَ أَيْضا: رُوِيَ الضّيَاع بِالْكَسْرِ على أَنه جمع ضائع كجياع فِي جمع جَائِع. قَوْله: (فلأدعى لَهُ) بِلَفْظ أَمر الْغَائِب الْمَجْهُول، وَالْأَصْل فِي لَام الْأَمر أَن تكون مَكْسُورَة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وليوفوا نذورهم وليطوفوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} (الْحَج: ٩٢) قرىء بِكَسْر اللَّام وإسكانها وَقد تسكن مَعَ الْفَاء أَو الْوَاو غَالِبا فيهمَا، وَإِثْبَات الْألف بعد عين (لادعى) جَائِز على قَول من قَالَ:
ألم يَأْتِيك والأنباء تنمي
وَكَانَ الْقيَاس: فلادع لَهُ أَي: فادعوني لَهُ حَتَّى أقوم بكله وضياعه، لِأَن حذفهَا عَلامَة الْجَزْم لِأَنَّهُ مجزوم بلام الْأَمر، لِأَن كل فعل فِي آخِره واوا وياء أَو ألف فجزمه بِحَذْف آخِره، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي اللُّغَة، وَفِي رِوَايَة لِابْنِ كثير أَنه قَرَأَ: {من يَتَّقِي ويصبر} (يُوسُف: ٠٩) بِإِثْبَات الْيَاء وَإِسْكَان الرَّاء وَهِي لُغَة أَيْضا.
٦٤٧٦ - حدّثنا أُمَيَّةُ بنُ بِسْطامٍ حدّثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عنْ رَوح عنْ عَبْدِ الله بنِ طاوُوسٍ عنْ أبِيهِ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أَلْحِقُوا الفَرائِضَ بِأهْلِها فَما تَرَكَتِ الفَرائِضُ فَلأوْلَى رَجلٍ ذَكَرٍ) .
مطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن يُوَجه مثل مَا وَجه فِي تَرْجَمَة الحَدِيث السَّابِق. وَأُميَّة بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن بسطَام بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا الْبَصْرِيّ، وروح بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْوَاو ابْن الْقَاسِم الْعَنْبَري.
والْحَدِيث قد مر عَن قريب فِي: بَاب مِيرَاث الْوَلَد من أَبِيه وَأمه، وَمضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
٦١ - (بابُ ذَوِي الأرْحامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم ذَوي الْأَرْحَام هَل يَرِثُونَ أم لَا؟ وَمن هم؟ وذوو الْأَرْحَام جمع ذِي الرَّحْمَن وَهُوَ خلاف الْأَجْنَبِيّ، والأرحام جمع الرَّحِم وَالرحم فِي الأَصْل منبت الْوَلَد ووعاؤه فِي الْبَطن ثمَّ سميت الْقَرَابَة والوصلة من جِهَة الْولادَة رحما وَفِي الشَّرِيعَة: عبارَة عَن كل قريب لَيْسَ بِذِي سهم وَلَا عصبَة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وذوو الرَّحِم هم الأقراب، وَيَقَع على كل من يجمع بَيْنك وَبَينه نسب وَيُطلق فِي الْفَرَائِض على الْأَقَارِب من جِهَة النِّسَاء، يُقَال: ذَوُو رحم محرم ومحرم هُوَ من لَا يحل نِكَاحه كالأم وَالْبِنْت وَالْأُخْت والعمة وَالْخَالَة. انْتهى. وَقَالَ فِي (التَّلْوِيح) : ذَوُو الْأَرْحَام هم الَّذين لَا سهم لَهُم فِي الْكتاب وَالسّنة من قرَابَة الْمَيِّت وَلَيْسوا بعصبة الْبَنَات كأولادها وَأَوْلَاد الْأَخَوَات وَأَوْلَاد الْأُخوة لأم وَبَنَات الْأَخ والعمة وَالْخَالَة وعمة الْأَب وَالْعم أَخُو الْأَب لأمه وَالْجد أبي الْأُم وَالْجدّة أم أبي الْأُم وَمن أدلى بهم.
وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب. فَقَالَت طَائِفَة: إِذا لم يكن للْمَيت وَارِث لَهُ فرض مُسَمّى فَمَاله لموَالِي الْعتَاقَة الَّذين أعتقوه، فَإِن لم يكن فَمَاله لبيت مَال الْمُسلمين، وَلَا يَرث من فرض لَهُ من ذَوي الْأَرْحَام، رُوِيَ هَذَا عَن أبي بكر وَزيد بن ثَابت وَابْن عمر، وَرِوَايَة عَن عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَهُوَ قَول أهل الْمَدِينَة وَالزهْرِيّ وَأبي الزِّنَاد وَرَبِيعَة وَمَالك وروى عَن مَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَكَانَ عمر بن الْخطاب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس ومعاذ وَأَبُو الدَّرْدَاء يورثون ذَوي الْأَرْحَام وَلَا يُعْطون الْوَلَاء مَعَ الرَّحِم شَيْئا، وبتوريث ذَوي الْأَرْحَام قَالَ ابْن أبي ليلى وَالنَّخَعِيّ وَعَطَاء وَجَمَاعَة من التَّابِعين، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين وَأحمد وَإِسْحَاق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute