هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أخرجه عَن أبي نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع المَخْزُومِي الْمَكِّيّ عَن الْحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ عَن صَفِيَّة بنت شيبَة بن عُثْمَان القرشية المكية.
والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ فِي التَّفْسِير أَيْضا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم عَن حَمَّاد عَن عبد الله عَن إِبْرَاهِيم بن نَافِع إِلَى آخِره.
قَوْله: (أزرهن) ، بِضَم الْهمزَة جمع إِزَار، وَهِي الملاءة بِضَم الْمِيم وَتَخْفِيف اللَّام وبالمد، وَهِي: الملحفة فَإِن قلت: حَدِيث عَائِشَة يدل على أَن اللَّاتِي شققْنَ أزرهن النِّسَاء الْمُهَاجِرَات، وَورد فِي حَدِيث عَائِشَة أَيْضا أَن ذَلِك كَانَ فِي نسَاء الْأَنْصَار، رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم قلت: يُمكن الْجمع بَينهمَا بِأَن نسَاء الْأَنْصَار بادرن إِلَى ذَلِك حِين نزُول الْآيَة الْمَذْكُورَة، وَالله أعلم.
٥٢ - (سورَةُ الفُرْقَانُ)
أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْفرْقَان، وَهُوَ مصدر فرق بَين الشَّيْئَيْنِ إِذا فصل بَينهمَا، وَسمي الْقُرْآن بِهِ لفصله بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَقيل: لِأَنَّهُ لم ينزل جملَة وَاحِدَة وَلَكِن مفروقاً مَفْصُولًا بَين بعضه وَبَعض فِي الْإِنْزَال، قَالَ تَعَالَى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على النَّاس} (الْإِسْرَاء: ٦٠١) الْآيَة، وَهِي مَكِّيَّة وَفِي آيَة اخْتِلَاف وَهِي قَوْله عز وَجل: {إلَاّ من تَابَ وآمن وَعَملا عملا صَالحا} (الْفرْقَان: ٠٧) . وَقيل: فِيهَا آيتان اخْتلف النَّاس فيهمَا، فَقيل: إنَّهُمَا مدنيتان، وَقيل: مكيتان، وَقيل: إِحْدَاهمَا مَكِّيَّة وَالْأُخْرَى مَدَنِيَّة، وهما قَوْله: {وَالَّذين لَا يدعونَ مَعَ الله إل هَا آخر} الْآيَة وَقَوله إمن تَابَ وآمن (الْفرْقَان: ٨٦) فَالَّذِي قَالَ إِن الأولى مَكِّيَّة وَهُوَ سعيد بن جُبَير، وَهِي قَوْله: {وَالَّذين لَا يدعونَ} إِلَى قَوْله: {مهاناً} . وَالثَّانيَِة مَدَنِيَّة وَهِي قَوْله: {إلَاّ من تَابَ وآمن} إِلَى قَوْله: {وَكَانَ الله غَفُورًا رحِيما} وَهِي سبع وَسَبْعُونَ آيَة، وَثَمَانمِائَة وَاثْنَتَانِ وَتسْعُونَ كلمة، وَثَلَاثَة آلَاف وَسَبْعمائة وَثَمَانُونَ حرفا.
{بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم}
ثبتَتْ عِنْد الْكل.
قَالَ ابنُ عَبّاسٍ: هَباءً مَنْثُوراً مَا تَسْفِي بِهِ الرِّيحُ
أَي: قَالَ عبد الله بن عَبَّاس فِي تَفْسِير: هباءً. منثوراً. فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقدمنَا إِلَى مَا عمِلُوا من عمل فَجعلنَا هباء منثوراً} (الْفرْقَان: ٣٢) مَا تسفي بِهِ الرّيح أَي تذريه وترميه، وَوَصله ابْن الْمُنْذر من حَدِيث عَطاء عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ: مَا تسفي بِهِ الرّيح وتثبته، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: هباءً منثوراً، أَي: بَاطِلا لَا ثَوَاب لَهُ لأَنهم لم يعملوه لله، وَإِنَّمَا عملوه للشَّيْطَان. وَاخْتلف الْمُفَسِّرُونَ فِي الهباء فَقَالَ مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحسن: هُوَ الَّذِي يرى فِي الكوى من شُعَاع الشَّمْس كالغبار وَلَا يمس بِالْأَيْدِي وَلَا يرى فِي الظل، وَقَالَ ابْن زيد: هُوَ الْغُبَار، وَقَالَ مقَاتل: هُوَ مَا يسطع من حوافر الدَّوَابّ، وَيُقَال: الهباء جمع هباة، والمنثور المتفرق.
مَدَّ الظِّلَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ألم ترَ إِلَى رَبك كَيفَ مد الظل} (الْفرْقَان: ٥٤) الْآيَة. وَفَسرهُ بقوله: (مَا بَين طُلُوع الْفجْر إِلَى طُلُوع الشَّمْس) ، وَإِنَّمَا جعله ممدوداً لِأَنَّهُ لَا شمس مَعَه، كَمَا قَالَ فِي ظلّ الْجنَّة. {وظل مَمْدُود} (الْوَاقِعَة: ٠٣) ، وبمثل مَا فسره رَوَاهُ ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس، وروى مثله أَيْضا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن وَقَتَادَة.
ساكِناً دَائِماً. عَلَيْهِ دَلِيلاً طُلُوعُ الشَّمْسِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَو شَاءَ لجعله سَاكِنا ثمَّ جعلنَا الشَّمْس عَلَيْهِ دَلِيلا} . وَفسّر سَاكِنا بقوله: (دَائِما) أَي: غير زائل، وَقيل: لاصقاً بِأَصْل الْجِدَار غَيره منبسط، وَفسّر دَلِيلا بقوله: (الشَّمْس) أَي طُلُوع الشَّمْس دَلِيل على حُصُول الظل، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس: تدل على الظل الشَّمْس، يَعْنِي لَوْلَا الشَّمْس مَا عرف الظل، وَلَوْلَا النُّور مَا عرفت الظلمَة.
خِلْفَةً مَنْ فاتَهُ مِنَ اللّيْلِ عملٌ أدْرَكَهُ بالنَّهارِ أوْ فاتَهُ بالنّهارِ أدْرَكَهُ باللّيْلِ
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي جعل اللَّيْل وَالنَّهَار خلفة} (الْفرْقَان: ٢٦) . الْآيَة، وَفسّر (خلفة) بقوله: (من فَاتَهُ) إِلَى آخِره، وَأخرج عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الْحسن مثله، وَفِي التَّفْسِير: وَعَن ابْن عَبَّاس وَقَتَادَة: خلفة، يَعْنِي عوضا وخلفاً يقوم واحدهما مَكَان صَاحبه، فَمن فَاتَهُ عمله فِي أَحدهمَا قَضَاهُ فِي الآخر، وَعَن مُجَاهِد: يَعْنِي جعل كل وَاحِد مِنْهُمَا مُخَالفا للْآخر فَجعل هَذَا أسود وَهَذَا أَبيض، وَعَن ابْن زيد: يَعْنِي إِذا جَاءَ أَحدهمَا ذهب الآخر، فهما يتعاقبان فِي الظلام والضياء وَالزِّيَادَة وَالنُّقْصَان.