أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {فَأَخَذتهم الصَّيْحَة مشرقين} (الْحجر: ٣٧) وَفسّر الصَّيْحَة بالهلكة، وَهَكَذَا فَسرهَا أَبُو عُبَيْدَة. قَوْله: (مشرقين) أَي: حِين أشرقت الشَّمْس عَلَيْهِم وهم قوم لوط عَلَيْهِ السَّلَام.
١ - (بابٌ: {إلَاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فأتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ} (الْحجر: ٨١)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَاّ من اسْترق السّمع} وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ: بَاب، وأوله: {وحفظنا من كل شَيْطَان رجيم إلَاّ من اسْترق السّمع} الْآيَة. قَوْله: (وحفظناها) أَي: السَّمَاء بِالشُّهُبِ {من كل شَيْطَان رجيم} أَي: مرجوم مبعد. قَوْله: {إِلَّا من اسْترق السّمع} اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: لَكِن من اسْترق السّمع، وَعَن ابْن عَبَّاس: إِنَّهُم كَانُوا لَا يحجبون عَن السَّمَوَات، فَلَمَّا ولد عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام، منعُوا من ثَلَاث سموات، فَلَمَّا ولد نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، منعُوا من السَّمَوَات أجمع فَمَا مِنْهُم من أحد يُرِيد استراق السّمع إلَاّ رمى (بشهاب مُبين) ، أَي: بِنَار بَين، والشهاب فِي اللُّغَة: النَّار الساطعة.
١٠٧٤ - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عبْدِ الله حَدثنَا سُفْيانُ عنْ عَمْروٍ عنْ عِكْرِمَةَ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله عَنهُ يَبْلُغُ بِهِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَضَي الله الأمْرَ فِي السَّماءِ ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بأجْنِحَتِها خُضْعاناً لِقَوْلِهِ كالسِّلْسِلَةِ عَلَى صَفْوانٍ قالَ عَلِيٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ صَفَوَانٍ يَنْفُذُهُمْ ذالِكَ فإِذَا فُزِّعَ عنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذَا قَالَ رَبُّكُمْ قالُوا لِلَّذِي قَالَ الحَقَّ وهْوَ العَلِيُّ الكبِيرُ فيَسْمَعُها مُسْتَرِقو السَّمْع ومُسْترِقو السَّمْعِ هاكَذَا واحِدٌ فَوْقَ آخَرَ وَوَصَفَ سُفْيانُ بِيَدِهِ وفَرَّجَ بَيْنَ أصابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى نَصَبَها بَعْضَها فَوْقَ بَعْضٍ فرُبَّما أدْرَكَ الشِّهابُ المُسْتَمعَ قبْلَ أنْ يَرْمِيَ بِها إِلَى صاحبِهِ فَيُحْرِقُهُ ورُبَّما لَمْ يُدْرِكْهُ حَتَّى يَرْمِيَ بهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الذِي هُوَ أسْفَلُ مِنْهُ حَتَّى يُلْقُوها إِلَى الأرْضِ ورُبَّما قَالَ سُفْيانُ حَتَّى تَنْتَهي إِلَى الأرْض فتُلْقَى عَلَى فَمِ السَّاحِرِ فيَكْذِبُ مَعَها مائَةَ كَذْبَةٍ فيَصْدُقُ فيَقُولونَ ألمْ يُخْبِرْنا يَوْمَ كَذَا وكَذَا يَكُونُ كَذَا وكَذَا فَوَجَدْناهُ حقًّا لِلْكَلِمَةِ الَّتي سُمِعَتْ مِنَ السَّماءِ.
(مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعلي بن عبد الله هُوَ ابْن الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَعِكْرِمَة هُوَ مولى ابْن عَبَّاس.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن الْحميدِي فِي التَّفْسِير وَفِي التَّوْحِيد أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْحُرُوف عَن أَحْمد بن عَبدة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن يحيى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي التَّفْسِير عَن يَعْقُوب بن حميد بن كاسب، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ عَليّ بن حَرْب عَن سُفْيَان فَوَقفهُ، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن إِسْحَاق بن عبد الْوَاحِد عَن ابْن عُيَيْنَة عَن عَمْرو عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: هَذَا غلط فِي ذكره ابْن عَبَّاس بِأَن جمَاعَة رَوَوْهُ عَن سُفْيَان، فَقَالُوا: عَن عِكْرِمَة حَدثنَا أَبُو هُرَيْرَة.
قَوْله: (يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَلم يقل صَرِيحًا: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاحْتِمَال الْوَاسِطَة أَو شَيْء من كَيْفيَّة الْبَلَاغ. قَوْله: (إِذا قضى الله) ، أَي: إِذا حكم الله عز وَجل، بِأَمْر من الْأُمُور وَالْقَضَاء فصل الْأَمر سَوَاء كَانَ بقول أَو فعل، وَهَذَا بِمَعْنى التَّقْدِير، وَيَجِيء بِمَعْنى الْخلق كَمَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: لما قضى الله، أَي: لما خلقه. قَوْله: (ضربت الْمَلَائِكَة) أَي: مَلَائِكَة السَّمَاء بأجنحتها. قَوْله: (خضعانا) ، بِضَم الْخَاء مصدر من خضع نَحْو غفر غفراناً، وَيُقَال: خضع يخضع خضوعاً وخضعاناً وَهُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، ويروى بِكَسْر الْخَاء كالوحدان، وَيجوز أَن يكون جمع خاضع، وَقَالَ الْكرْمَانِي: أَي خاضعين، وَقَالَ شيخ شَيخنَا الطَّيِّبِيّ، إِذا كَانَ خضعاناً جمعا كَانَ حَالا، وَإِذا كَانَ مصدرا يجوز أَن يكون مَفْعُولا مُطلقًا لما فِي ضرب الأجنحة من معنى الخضوع أَو مَفْعُولا لَهُ، وَذَلِكَ لِأَن الطَّائِر إِذْ استشعر خوفًا أرْخى جناحيه مرتعداً. قَوْله: (لقَوْله) ، أَي: لقَوْل الله، عز وَجل. قَوْله: (كالسلسلة على الصفوان) ، تَشْبِيه القَوْل المسموع بالسلسلة على الصفوان كَمَا شبه فِي بَدْء الْوَحْي بقوله: كصلصلة الجرس، وَهُوَ صَوت الْملك بِالْوَحْي، والصفوان: الْحجر الأملس، وَقَالَ الْخطابِيّ: الصلصلة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute