عقيب هَذَا، وَفِيه: (سَأَلت أنسا عَن صِيَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) فَذكر الحَدِيث ثمَّ أتم من طَرِيق مُحَمَّد بن جَعْفَر فَإِن قلت: قد ذكرنَا تقدم هَذَا الحَدِيث فِي الصَّلَاة فِي: بَاب قيام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ونومه. وَمَا نسخ من قيام اللَّيْل وَفِي آخِره، تَابعه سُلَيْمَان وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن حميد، فَهَذَا يَقْتَضِي أَن سُلَيْمَان هَذَا غير أبي خَالِد للْعَطْف فِيهِ قلت: قَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن تكون الْوَاو زَائِدَة، وردَّينا عَلَيْهِ هُنَاكَ أَن زِيَادَة الْوَاو نادرة بِخِلَاف الأَصْل، سِيمَا الحكم بذلك بِالِاحْتِمَالِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
٣٧٩١ - حدَّثني مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرَنَا أَبُو خالِدٍ الأحْمَرُ قَالَ أخبرنَا حُمَيْدٌ قَالَ سألْتُ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عنْ صِيَامِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أنْ أرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِما إلَاّ رأيْتُهُ ولَا مُفْطِرا إلَاّ رَأيْتُهُ ولَا مِنَ اللَّيْلِ قَائِما إلَاّ رَأيْتُهُ ولَا نَائِما إلَاّ رَأيْتُهُ وَلَا مَسِسْتُ خَزَّةً ولَا حَرِيرَةً ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولَا شَمَمْتُ مِسْكَةً ولَا عَبِيرَةً أطْيَبَ رَائِحَةً مِنْ رَائِحَةِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة مثل مَا تقدم فِي الحَدِيث السَّابِق، وَمُحَمّد شَيْخه هُوَ ابْن سَلام نَص عَلَيْهِ الْحَافِظ الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَأَبُو خَالِد الْأَحْمَر هُوَ سُلَيْمَان بن حَيَّان. والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة.
قَوْله: (أحب أَن أرَاهُ) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: مَا كنت أحب رُؤْيَته من الشَّهْر حَال كَونه صَائِما إلَاّ رَأَيْته. قَوْله: (وَلَا مفطر ا) أَي: وَلَا كنت أحب أَن أرَاهُ حَال كَونه مُفطرا، إلَاّ رَأَيْته. قَوْله: (وَلَا من اللَّيْل قَائِما) أَي: وَلَا كنت أحب أَن أرَاهُ من اللَّيْل حَال كَونه قَائِما إلَاّ رَأَيْته، وَكَذَلِكَ التَّقْدِير فِي قَوْله: (وَلَا نَائِما) من النّوم. قَوْله: (وَلَا مسست) ، بسينين مهملتين أولاهما مَكْسُورَة وَهِي اللُّغَة الفصيحة، وَحكى أَبُو عُبَيْدَة الْفَتْح، يُقَال: مسست الشَّيْء أمسه مسا: إِذا لمسته بِيَدِك، وَيُقَال: مست فِي مسست بِحَذْف السِّين الأولى، وتحويل كسرتها إِلَى الْمِيم، وَمِنْهُم من يقر فتحتها بِحَالِهَا فَيَقُول: مست، كَمَا يُقَال: ظلت فِي ظللت. قَوْله: (خزة) ، وَاحِدَة الْخَزّ. وَفِي الأَصْل: الْخَزّ، بِالْفَتْح وَتَشْديد الزَّاي: اسْم دَابَّة، ثمَّ سمي الثَّوْب الْمُتَّخذ من وبره خَزًّا، والواحدة مِنْهُ: خزة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْخَزّ الْمَعْرُوف أَولا ثِيَاب تنسج من صوف وإبريسم، وَهِي مباجة، وَقد لبسهَا الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، والتابعون، وَمِنْه النَّوْع الآخر وَهُوَ الْمَعْرُوف الْآن فَهُوَ حرَام لِأَن جَمِيعه مَعْمُول من الإبريسم، وَهُوَ المُرَاد من الحَدِيث. (قوم يسْتَحلُّونَ الْخَزّ وَالْحَرِير) . قَوْله: (وَلَا شممت) ، بِكَسْر الْمِيم الأولى، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: وَالْفَتْح لُغَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: اسْتِحْبَاب التَّنَفُّل بِاللَّيْلِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب التَّنَفُّل بِالصَّوْمِ فِي كل شهر وَأَن الصَّوْم النَّفْل مُطلق لَا يخْتَص بِزَمَان إِلَّا مَا نهي عَنهُ. وَفِيه: أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يصم الدَّهْر وَلَا قَامَ اللَّيْل كُله، وَإِنَّمَا ترك ذَلِك لِئَلَّا يقْتَدى بِهِ فَيشق على الْأمة، وَإِن كَانَ قد أعطي من الْقُوَّة مَا لَو الْتزم ذَلِك لاقتدر عَلَيْهِ، لكنه سلك من الْعِبَادَة الطَّرِيقَة الْوُسْطَى فصَام وَأفْطر وَأقَام ونام. وَأما طيب رَائِحَته، فَإِنَّمَا طيبها الرب عز وَجل لمباشرته الْمَلَائِكَة ولمناجاته لَهُم.
٤٥ - (بابُ حَقِّ الضِّيْفِ فِي الصِّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق الضَّيْف فِي الصَّوْم، والضيف يكون وَاحِدًا وجمعا، وَقد يجمع على الأضياف والضياف والضيوف والضيفان، وَالْمَرْأَة: ضيف وضيفة، وَيُقَال: ضفت الرجل: إِذا نزلت بِهِ فِي ضيافته، وأضفته إِذا أنزلته، وتضيفته إِذا نزلت بِهِ، وتضيفني إِذا أنزلني. وَفِي (الصِّحَاح) : أضفت الرجل وضيفته إِذا أنزلته بك ضيفا وقريته، وضفت الرجل ضِيَافَة إِذا نزلت عَلَيْهِ ضيفا، وَكَذَلِكَ تضيفته، والضيفن الَّذِي يَجِيء مَعَ الضَّيْف، وَالنُّون زَائِدَة، ووزنه: فعلن، وَلَيْسَ بفعيل، وَقيل: لَو قَالَ: حق الضَّيْف فِي الْفطر، لَكَانَ أوضح. قلت: الَّذِي قَالَه البُخَارِيّ أصوب وَأحسن، لِأَن الضَّيْف لَيْسَ لَهُ تصرف فِي فطر المضيف، بل تصرفه فِي صَوْمه بِأَن يتْركهُ لأَجله، فيتعني لَهُ الطّلب فِيهِ، فحقه إِذا فِي الصَّوْم لَا فِي الْفطر.
٤٧٩١ - حدَّثنا إسْحاقُ قَالَ أخبرنَا هارُونُ بنُ إسْماعِيلَ قَالَ حدَّثنا عَلِيُّ قَالَ حدَّثنا يَحْيى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute