رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَرٍّ شَدِيدٍ واسْتَقْبَلَ سَفَرَاً بَعِيداً ومَفازاً واسْتَقْبَلَ غَزْوَ عَدُوٍّ فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أمْرَهُمْ لِيَتَأهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ وأخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ..
هَذَا طَرِيق آخر لحَدِيث كَعْب أخرجه عَن أَحْمد بن مُحَمَّد بن مُوسَى الَّذِي يُقَال لَهُ: ابْن السمسار مرْدَوَيْه الْمروزِي عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ الرِّوَايَة الأولى صَوَاب، وَحَدِيث يُونُس مُرْسل، وَقَالَ الجياني: كَذَا هَذَا الْإِسْنَاد عَن ابْن مرْدَوَيْه عَن ابْن الْمُبَارك فِي (الْجَامِع) و (التَّارِيخ الْكَبِير) ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْن السكن وَأَبُو زيد ومشايخ أبي ذَر الثَّلَاثَة، وَلم يلْتَفت الدَّارَقُطْنِيّ إِلَى قَول عبد الرَّحْمَن بن عبد الله: سَمِعت كَعْبًا، لِأَنَّهُ عِنْده وهم، قَالَ أَبُو عَليّ: وَقد رَوَاهُ معمر عَن الزُّهْرِيّ على نَحْو مَا رَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من الْإِرْسَال، قَالَ: وَمِمَّا يشْهد لقَوْل أبي الْحسن مَا ذكره الذهلي فِي (الْعِلَل) : سمع الزُّهْرِيّ من عبد الرَّحْمَن بن كَعْب وَمن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن كَعْب، وَسمع من أَبِيه عبد الله بن كَعْب، وَلَا أَظن سمع عبد الرَّحْمَن بن عبد الله من جده شَيْئا، وَإِنَّمَا رِوَايَته عَن أَبِيه وَعَمه، قَالَ الجياني: وَالْغَرَض من هَذَا كُله الِاسْتِدْرَاك على البُخَارِيّ حَيْثُ خرجه على الِاتِّصَال، وَهُوَ مُرْسل، وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَو كَانَ بدل: ابْن، كلمة: عَن، لصَحَّ الِاتِّصَال يَعْنِي: لَو قَالَ أَخْبرنِي عبد الرَّحْمَن بن عبد الله عَن كَعْب بن مَالك لِأَن عبد الرَّحْمَن سمع من أَبِيه عبد الله، وَهُوَ من كَعْب، قَالَ: وَكَذَا لَو حذف عبد الله من الْبَين. قلت: يحْتَمل أَن يكون ذكر: ابْن، مَوضِع: عَن تصحيفاً من بعض الروَاة.
قَوْله: (حَتَّى كَانَت غَزْوَة تَبُوك) وَكَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة فِي رَجَب مِنْهَا. قَوْله: (وَمَفَازًا) ، الْمَفَازَة الْمهْلكَة، سميت بذلك تفاؤلاً بالفوز والسلامة، كَمَا قَالُوا: للديغ: سليم، وَذكر ابْن الْأَنْبَارِي عَن ابْن الْأَعرَابِي: أَنَّهَا مَأْخُوذَة من قَوْلهم قد فوز الرجل: إِذا هلك، وَقيل: لِأَن من قطعهَا فَازَ وَنَجَا. قَوْله: (فَجلى للْمُسلمين أمره) ، بِالْجِيم أَي: أظهره لِيَتَأَهَّبُوا لذَلِك، وَهُوَ مخفف اللَّام، يُقَال: جليت الشَّيْء إِذا كشفته وبينته وأوضحته، وَفِي (التَّلْوِيح) : ضَبطه الدمياطي فِي حَدِيث سعد فِي الْمَغَازِي بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ خطأ.
٩٤٩٢ - وعَنْ يُونُسَ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ كَعْبِ بنِ مالِكٍ أنَّ كَعْبَ بنَ مالِكٍ رَضيَ الله عنْهُ كانَ يَقُولُ لَقَلَّمَا كانَ رسولُ الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَخْرُجُ إذَا خَرَج فِي سَفَرٍ إلَاّ يَوْمَ الخَمِيسِ..
هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول عَن عبد الله ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس ... إِلَى آخِره. قَوْله: (لقلما) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد، وَقل، فعل ماضٍ دخلت عَلَيْهِ كلمة: مَا مَعْنَاهُ: يكون خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر قَلِيلا فِي الْأَيَّام إلَاّ يَوْم الْخَمِيس، فَإِن أَكثر خُرُوجه فِي السّفر فِيهِ، تَقول: قل رجل يفعل كَذَا إلَاّ زيد، مَعْنَاهُ قَلِيل من النَّاس يفعل هَذَا الْفِعْل الأزيد.
٠٥٩٢ - حدَّثني عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ بنِ كَعْبِ بنِ مالِكٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وكانَ يُحِبُّ أنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ..
هَذَا طَرِيق آخر عَن عبد الله بن مُحَمَّد المسندي عَن هِشَام بن يُوسُف عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْجِهَاد أَيْضا عَن سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن الْمُبَارك عَن يُونُس بن يزِيد عَن الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن كَعْب بن مَالك عَن كَعْب بن مَالك، قَالَ: قَلما كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج فِي سفر إلَاّ يَوْم الْخَمِيس، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن سُلَيْمَان بن دَاوُد عَن ابْن وهب عَن يُونُس بن يزِيد بِإِسْنَادِهِ. قَالَ: قَلما كَانَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج فِي سفر جِهَاد وَغَيره إلَاّ يَوْم الْخَمِيس.
٤٠١ - (بابُ الخُرُوجِ بعْدَ الظُّهْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْخُرُوج فِي السّفر بعد الظّهْر.