للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَالَ ابْن عُيَيْنَة: لَمْ يَعْمَلُوها: لَا بُدَّ مِنْ أنْ يَعْمَلُوها

أَي: قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَلَهُم أَعمال من دون ذَلِك هم لَهَا عاملون} (الْمُؤْمِنُونَ: ٣٦) حَاصله: كتبت عَلَيْهِم أَعمال سَيِّئَة لَا بُد من أَن يعملوها قبل مَوْتهمْ ليحق عَلَيْهِم كلمة الْعَذَاب.

٦٤٤٦ - حدّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ حدّثنا أبُو بَكْرٍ حَدثنَا أبُو حَصِينٍ عنْ أبي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ عَن النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (لَيْسَ الغِنَى عنْ كَثْرَةِ العَرِضَ ولاكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَأما وَجه الْمُنَاسبَة بَين الحَدِيث وَالْآيَة هُوَ أَن خيرية المَال لَيست لذاته بل بِحَسب مَا يتَعَلَّق بِهِ وَإِن كَانَ يُسمى خيرا، وَكَذَلِكَ لَيْسَ صَاحب المَال الْكثير غَنِيا لذاته بل بِحَسب تصرفه فِيهِ، فَإِن كَانَ غَنِيا فِي نَفسه لم يتَوَقَّف فِي صرفه فِي الْوَاجِبَات والمستحبات من وُجُوه الْبر والقربات، وَإِن كَانَ فِي نَفسه فَقِيرا أمْسكهُ وَامْتنع من بذله فِيمَا أَمر بِهِ خشيَة من نفاده، فَهُوَ فِي الْحَقِيقَة فَقير صُورَة وَمعنى، وَإِن كَانَ المَال تَحت يَده لكَونه لَا ينْتَفع بِهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة بل رُبمَا كَانَ وبالاً عَلَيْهِ.

وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس التَّيْمِيّ الْيَرْبُوعي الْكُوفِي، وَهُوَ شيخ مُسلم أَيْضا، وَأَبُو بكر هُوَ ابْن عَيَّاش بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالشين الْمُعْجَمَة القارىء الْمَشْهُور الْكُوفِي، وَأَبُو حُصَيْن بِفَتْح الْحَاء وَكسر الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ واسْمه عُثْمَان بن عَاصِم الْأَسدي الْكُوفِي، وَأَبُو صَالح ذكْوَان الزيات.

والْحَدِيث أخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الزّهْد عَن أَحْمد بن بديل بن قُرَيْش اليامي الْكُوفِي.

قَوْله: (من كَثْرَة الْعرض) بِفتْحَتَيْنِ حطام الدُّنْيَا وبالسكون الْمَتَاع. وَقَالَ أَبُو عبيد: الْعرُوض الْأَمْتِعَة وَهِي مَا سوى الْحَيَوَان وَالْعَقار وَمَا لَا يدْخلهُ كيل وَلَا وزن، وَقَالَ ابْن فَارس: الْعرض بِالسُّكُونِ كل مَا كَانَ من المَال غير نقدوجمعه عرُوض، وَأما بِالْفَتْح فَمَا يُصِيبهُ الْإِنْسَان من حَظّ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَعَالَى: {تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا} (الْأَنْفَال: ٧٦) وَقَالَ: {وَإِن يَأْتهمْ عرض مثله يأخذوه} (الْأَعْرَاف: ٩٦١) حَاصِل معنى الحَدِيث: لَيْسَ الْغنى الْحَقِيقِيّ الْمُعْتَبر من كَثْرَة المَال، بل هُوَ من اسْتغْنَاء النَّفس وَعدم الْحِرْص على الدُّنْيَا، وَلِهَذَا ترى كثيرا من المتمولين، فَقير النَّفس مُجْتَهدا فِي الزِّيَادَة، فَهُوَ لشدَّة شرهه وَشدَّة حرصه على جمعه كَأَنَّهُ فَقير، وَأما غنى النَّفس فَهُوَ من بَاب الرِّضَا بِقَضَاء الله لعلمه أَن مَا عِنْد الله لَا ينْفد.

٦١ - (بابُ فَضْلِ الفَقِرْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْفقر، وَالْمرَاد بِهِ الْفقر الَّذِي صَاحبه راضٍ بِمَا قسم الله لَهُ وصابر على ذَلِك وَلَا يصدر من قَوْله وَفعله مَا يسْخط الله تَعَالَى، وَلَا يتْرك التكسب ويشتغل بالسؤال الَّذِي فِيهِ ذلة ومنة وَأما فُقَرَاء هَذَا الزَّمَان فَإِن أَكْثَرهم غير مَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات، وفقر هَؤُلَاءِ هُوَ الَّذِي استعاذ مِنْهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأما الْخلاف فِي أَن الْفقر الصابر أفضل أَو الْغَنِيّ الشاكر؟ فَهُوَ مَشْهُور قد تَكَلَّمت فِيهِ جمَاعَة كَثِيرُونَ.

٧٤٤٦ - حدّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ: حدّثني عبْدُ العَزِيزِ بنُ أبي حازِمٍ عنْ أَبِيه عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أنّهُ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلى رسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جالِسٍ: (مَا رأيُكَ فِي هاذَا؟) فَقَالَ: رجُلٌ منْ أشْرَافِ النَّاسِ، هاذَا وَالله حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أنْ يُشَفَّعَ قَالَ: فَسَكَت رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ لهُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا رَأيُكَ فِي هَذَا؟) فَقَالَ: يَا رسولَ الله! هَذا رجُلٌ مِن فُقَراءِ المُسْلِمِينَ، هاذَا حَرِيُّ إنْ خَطَبَ أنْ لَا يُنْكَحَ وإنْ شَفَعَ أنْ لَا يُشْفَعَ وإنْ قَالَ أنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (هاذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأرْضِ مِنْ مِثْلِ هاذا) .

(انْظُر الحَدِيث ١٩٠٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>