من الْمُحكم الْمُجْتَمع على تَأْوِيله أَن بُلُوغ أَجله انْقِضَاء الْعدة وأباح التَّعْرِيض فِي الْعدة وَذكر ابْن أبي شيبَة جَوَاز التَّعْرِيض عَن مُجَاهِد وَالْحسن وَعبيدَة السَّلمَانِي وَسَعِيد بن جُبَير وَالشعْبِيّ وَأبي الضُّحَى، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: لَا بَأْس بالهدية فِي تَعْرِيض النِّكَاح، وَقَالَ الشَّافِعِي، رَحمَه الله: الْعدة الَّتِي أذن الله تَعَالَى بالتعريض فِيهَا هِيَ الْعدة من وَفَاة الزَّوْج، وَلَا أحب ذَلِك فِي الْعدة من الطَّلَاق الْبَائِن احْتِيَاطًا، وَأما الَّتِي لزَوجهَا عَلَيْهَا رُجُوع فَلَا يجوز لأحد أَن يعرض لَهَا بِالْخطْبَةِ فِيهَا.
٥٣ - (بابُ النَّظَرِ إِلَى المَرْأةِ قَبْلَ التَّزْويجِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز النّظر إِلَى الْمَرْأَة قبل أَن يَتَزَوَّجهَا، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال: قبل التَّزَوُّج، لِأَن النّظر فِيهِ لَا فِي التَّزْوِيج، وَالظَّاهِر أَن هَذَا من النَّاسِخ. وَهَذَا الْبَاب اخْتلف فِيهِ الْعلمَاء، فَقَالَ طَاوُوس وَالزهْرِيّ وَالْحسن والبصري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَآخَرُونَ: يُبَاح النّظر إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي يُرِيد نِكَاحهَا. وَقَالَ عِيَاض: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ: ينظر إِلَيْهَا ويجتهد وَينظر مِنْهَا مَوَاضِع اللَّحْم. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَسَوَاء: بِإِذْنِهَا أَو بِغَيْر إِذْنهَا إِذا كَانَت مستترة، وَحكى بعض شُيُوخنَا، تَأْوِيلا على قَول مَالك: إِنَّه لَا ينظر إِلَيْهَا إلَاّ بِإِذْنِهَا لِأَنَّهُ حق لَهَا، وَلَا يجوز عِنْد هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين أَن ينظر إِلَى عورتها وَلَا وَهِي حَاسِرَة، وَعَن دَاوُد ينظر إِلَى جَمِيعهَا حَتَّى قَالَ ابْن حزم: يجوز النّظر إِلَى فرجهَا. وَقَالَت الْعلمَاء: لَا ينظر إِلَى فرجهَا. وَقَالَت الْعلمَاء: لَا ينظر إِلَيْهَا نظر تلذة وشهوة وَلَا لريبة، وَقَالَ أَحْمد: ينظر إِلَى الْوَجْه على غير طَرِيق لَذَّة، وَله أَن يردد النّظر إِلَيْهَا متأملاً محاسنها، وَإِذا لم يُمكنهُ النّظر اسْتحبَّ أَن يبْعَث امْرَأَة يَثِق بهَا تنظر إِلَيْهَا وَتُخْبِرهُ، لما رُوِيَ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ثَابت عَن أنس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة فَبعث بِامْرَأَة لتنظر إِلَيْهَا، فَقَالَ: (شمي عوارضها وانظري إِلَى عرقوبيها) الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: كَذَا رَوَاهُ شَيخنَا فِي الْمُسْتَدْرك، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل مُخْتَصرا. قلت: الْعَوَارِض الْأَسْنَان الَّتِي فِي عرض الْفَم، وَهِي مَا بَين الثنايا والأضراس، واحدتها عَارض، وَذَلِكَ لاختبار النكهة. قَالَت ظائفة، مِنْهُم يُونُس بن عبيد، وَإِسْمَاعِيل بن علية وَقوم من أهل الحَدِيث. لَا يجوز النّظر إِلَى الْأَجْنَبِيَّة مُطلقًا إلَاّ لزَوجهَا أَو ذِي رحم محمرم مِنْهَا، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (يَا عَليّ! إِن لَك فِي الْجنَّة كنزا وَإنَّك ذُو قرنيها، فَلَا تتبع النظرة النظرة فَإِن لَك الأولى) . رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالْبَزَّار. وَمعنى: لَا تتبع النظرة النظرة أَي: لَا تجْعَل نظرتك إِلَى الْأَجْنَبِيَّة تَابِعَة لنظرتك الأولى الَّتِي تقع بَغْتَة، وَلَيْسَت لَك النظرة الْآخِرَة، لِأَنَّهَا تكون عَن قصد وَاخْتِيَار فتأثم بهَا أَو تعاقب، وَبِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جرير بن عبد الله، قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن نظر الْفجأَة فَأمرنِي أَن أصرف بَصرِي. قَالُوا: فَلَمَّا كَانَت النظرة الثَّانِيَة حَرَامًا لِأَنَّهَا عَن اخْتِيَار خُولِفَ بَين حكمهَا وَحكم مَا قبلهَا إِذا كَانَت بِغَيْر اخْتِيَار، دلّ ذَلِك على أَنه لَيْسَ لأحد أَن ينظر إِلَى وَجه امْرَأَة إلَاّ أَن يكون بَينهَا وَبَينه من النِّكَاح أَو الْحُرْمَة.
واحتجت الطَّائِفَة الألى بِحَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة: سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم، يَقُول: (إِذا ألْقى فِي قلب امرىء خطْبَة امْرَأَة فَلَا بَأْس أَن ينظر إِلَيْهَا) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ، وَبِحَدِيث أبي حميد السَّاعِدِيّ، وَقد كَانَ رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا خطب أحدكُم امْرَأَة فَلَا جنَاح عَلَيْهِ أَن ينظر إِلَيْهَا إِذا كَانَ إِنَّمَا ينظر إِلَيْهَا للخطبة، وَإِن كَانَت لَا تعلم) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأحمد وَالْبَزَّار، وَبِحَدِيث جَابر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا خطب أحدكُم الْمَرْأَة فَقدر على أَن يرى مِنْهَا مَا يُعجبهُ فَلْيفْعَل) ، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأَبُو دَاوُد، وَبِحَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن رجلا أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة من الْأَنْصَار، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (انْظُر إِلَيْهَا فَإِن فِي أعين نسَاء الْأَنْصَار شَيْئا) ، يَعْنِي: الصغر، رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَأخرجه مُسلم وَلَيْسَ فِي رِوَايَته: يَعْنِي الصغر، وَبِحَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَنه أَرَادَ أَن يتَزَوَّج امْرَأَة، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (انْظُر إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا) وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وَقَالَ: معنى قَوْله: (أَن يُؤْدم بَيْنكُمَا) أَي: أَحْرَى أَن تدوم الْمَوَدَّة بَيْنكُمَا؛ وَأَجَابُوا عَن حَدِيث عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، بِأَن النّظر فِيهِ لغير الْخطْبَة، فَذَلِك حرَام، وَأما إِذا كَانَ للخطبة فَلَا يمْنَع مِنْهُ لِأَنَّهُ للْحَاجة، أَلا يرى كَيفَ جوز بِهِ فِي الْإِشْهَاد عَلَيْهَا وَلها؟ فَكَذَلِك النّظر للخطبة. وَالله أعلم.
٥٢١٥ - حدَّثنا مُسَدّدٌ حَدثنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ هِشامٍ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ، رَضِي الله عَنْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute