من الْكل. قَوْله: (هنيَّة) ، بِضَم الْهَاء وَفتح النُّون وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف: أَي شَيْئا قَلِيلا، وَقد مر تَحْقِيق هَذِه اللَّفْظَة فِي: بَاب مَا يَقُول بعد التَّكْبِير. قَوْله: (قَالَ) أَي: أَبُو قلَابَة. قَوْله: (صَلَاة شَيخنَا) أَي: كَصَلَاة شَيخنَا هَذَا، وَأَشَارَ بِهِ ألى عَمْرو بن سَلمَة الْجرْمِي، وَلَفظه فِي: بَاب من صلى بِالنَّاسِ وَهُوَ لَا يُرِيد إلاّ أَن يعلمهُمْ. قَالَ: مثل شَيخنَا هَذَا، وَكَانَ الشَّيْخ يجلس إِذا رفع رَأسه من السُّجُود قبل أَن ينْهض فِي الرَّكْعَة الأولى. قَوْله: (أبي بريد) كنيته عمور بن سَلمَة، وَقد ذكره فِي ذَلِك بِلَفْظ الشَّيْخ فَقَط، وَهَهُنَا ذكره بِلَفْظ كنيته، وَلم يذكر فِي ذَاك وَلَا فِي هَذَا اسْمه صَرِيحًا، ثمَّ اخْتلفُوا فِي ضبط هَذِه الكنية، فَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: أبي يزِيد، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا الزَّاي، وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وكريمة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء، وَكَذَا ضَبطه مُسلم فِي (الكنى) وَقَالَ الغساني: هُوَ بالتحتانية وَالزَّاي، من الزِّيَادَة، وَهَكَذَا رُوِيَ عَن البُخَارِيّ من جَمِيع الطّرق، إلاّ مَا ذكره أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ عَن الْحَمَوِيّ عَن الْفربرِي فَإِنَّهُ قَالَ: أبي بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة. وَقَالَ عبد الْغَنِيّ بن سعيد لم أسمعهُ من أحد، إلاّ بالزاي، لَكِن مُسلم أعلم بأسماء الْمُحدثين. قَوْله: (فَكَانَ أَبُو بريد) ، ويروى: (وَكَانَ) ، بِالْوَاو قَوْله: (قَاعِدا) ، حَال من الضَّمِير الَّذِي فِي (اسْتَوَى) . قَوْله: (ثمَّ نَهَضَ) ، يُقَال: نَهَضَ ينْهض نهضا ونهوضا: قَامَ. ونهض النبت: اسْتَوَى.
١٢٨ - (بابٌ يَهْوِي بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَسْجُدُ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: يهوي الْمُصَلِّي بِالتَّكْبِيرِ وَقت سجدته. قَوْله: (يهوي) ، رُوِيَ بِضَم الْيَاء وَفتحهَا، وَمعنى يهوي: ينحط، يُقَال: هوى يهوي هويا، بِالْفَتْح إِذا هَبَط، وَهوى يهوى هويا بِالضَّمِّ إِذا صعد. وَقيل بِالْعَكْسِ، وَفِي صفته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنَّمَا يهوي من صبب أَي ينحط. وَفِي حَدِيث الْبراق: (ثمَّ انْطلق يهوي) أَي: يسْرع، وَهُوَ يهوَى هوى: إِذا أحب.
وَقَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ يَضَعُ يدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ اشتمالها عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِي الْهوى بِالتَّكْبِيرِ إِلَى السُّجُود، فالهوي فعل، وَالتَّكْبِير قَول، فَكَمَا أَن حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب يدل على القَوْل، يدل أثر ابْن عمر على الْفِعْل، لِأَن للهوي إِلَى السُّجُود صفتين: صفة قولية وَصفَة فعلية، فأثر ابْن عمر إِشَارَة إِلَى الصّفة الفعلية، وَأثر أبي هُرَيْرَة إِلَى الفعلية والقولية جَمِيعًا، فَهَذَا هُوَ السِّرّ فِي هَذَا الْموضع. وَقَول بَعضهم: إِن أثر ابْن عمر من جملَة التَّرْجَمَة فَهُوَ مترجم بِهِ لَا مترجم لَهُ، غير موجه، بل وَلَا يَصح ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا كَانَ من جملَة التَّرْجَمَة يحْتَاج إِلَى شَيْء يذكرهُ يكون مطابقا لَهَا، وَلَيْسَ ذَلِك بموجود، ثمَّ أَن هَذَا الْأَثر الْمُعَلق أخرجه ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ والطَّحَاوِي من طَرِيق عبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، فَقَالَ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا عَليّ بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن الْمُغيرَة، قَالَ: حَدثنَا أصبغ بن الْفرج، قَالَ: حَدثنَا الدَّرَاورْدِي عَن عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنه إِذا كَانَ سجد بَدَأَ بِوَضْع يَدَيْهِ قبل رُكْبَتَيْهِ، وَكَانَ يَقُول: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يفعل ذَلِك) . ثمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: رَوَاهُ ابْن وهب وَأصبغ بن الْفرج عَن عبد الْعَزِيز، وَلَا أرَاهُ إلاّ وهما، فَالْمَشْهُور عَن ابْن عمر مَا رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد وَابْن علية عَن أَيُّوب عَن نَافِع. عَنهُ قَالَ: (إِذا سجد أحدكُم فليضع يَدَيْهِ، فَإِذا رفع فليرفعهما فَإِن الْيَدَيْنِ يسجدان كَمَا يسْجد الْوَجْه) . قلت: الَّذِي أخرجه الطَّحَاوِيّ أخرجه ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: صَحِيح على شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ. والْحَدِيث الَّذِي علله بِهِ فِيهِ نظر، لِأَن كلا مِنْهُمَا مُنْفَصِل عَن الآخر. وَقَالَ الْحَازِمِي: اخْتلف أهل الْعلم فِي هَذَا الْبَاب، فَذهب بَعضهم إِلَى أَن وضع الْيَدَيْنِ قبل الرُّكْبَتَيْنِ أولى، وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ وَالْحسن. وَفِي (المغنى) ، وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد وَبِه قَالَ ابْن حزم وَخَالفهُم فِي ذَلِك آخَرُونَ وَرَأَوا وضع الرُّكْبَتَيْنِ قبل الْيَدَيْنِ أولى. مِنْهُم: عمر بن الْخطاب وَالنَّخَعِيّ وَمُسلم بن يسَار وسُفْيَان بن سعيد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَإِسْحَاق وَأهل الْكُوفَة. وَفِي (المُصَنّف) زَاد: أَبَا قلَابَة وَمُحَمّد بن سِيرِين، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق: كَانَ أَصْحَاب عبد الله أذا انحطوا للسُّجُود وَقعت ركبهمْ قبل أَيْديهم، وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن ابْن مَسْعُود، وَحَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب عَن عَامَّة الْفُقَهَاء، وَحَكَاهُ ابْن بطال عَن ابْن وهب. قَالَ: وَهِي رِوَايَة ابْن شعْبَان عَن مَالك، وَقَالَ قَتَادَة: يضع أَهْون ذَلِك عَلَيْهِ، وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute