بَيَان الْمَعْنى قَوْله:(على عمَامَته وخفيه) ، وَهَكَذَا رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ وَهُوَ مَشْهُور عَنهُ، وَأسْقط بعض الروَاة عَنهُ جعفراً من الْإِسْنَاد هُوَ خطأ، قَالَه أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَقَالَ الْأصيلِيّ: ذكر الْعِمَامَة فِي هَذَا الحَدِيث من خطأ الْأَوْزَاعِيّ، لِأَن شَيبَان رَوَاهُ عَن يحيى وَلم يذكرهَا، وَتَابعه حَرْب وَأَبَان، وَالثَّلَاثَة خالفوا الْأَوْزَاعِيّ، لِأَن شَيبَان رَوَاهُ عَن يحيى، فَوَجَبَ تَغْلِيب الْجَمَاعَة على الْوَاحِد. أَقُول: على تَقْدِير تفرد الْأَوْزَاعِيّ بِذكر الْعِمَامَة لَا يسْتَلْزم ذَلِك تخطئته، لِأَنَّهُ زِيَادَة من ثِقَة غير مُنَافِيَة لرِوَايَة غَيره فَتقبل.
بَيَان الحكم وَهُوَ شَيْئَانِ: أَحدهمَا: الْمسْح على الْعِمَامَة. وَالْآخر: على الْخُفَّيْنِ. أما الأول: فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَذهب الإِمَام أَحْمد إِلَى جَوَاز الِاقْتِصَار على الْعِمَامَة بِشَرْط الاعمام بعد كَمَال الطَّهَارَة، كَمَا فِي الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَاحْتج المانعون بقوله تَعَالَى:{وامسحوا برؤوسكم}(الْمَائِدَة: ٦) وَمن مسح على الْعِمَامَة لم يمسح على رَأسه، وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز مسح الْوَجْه فِي التَّيَمُّم على حَائِل دونه، فَكَذَلِك الرَّأْس. وَقَالَ الْخطابِيّ: فرض الله مسح الرَّأْس، والْحَدِيث فِي مسح الْعِمَامَة مُحْتَمل للتأويل، فَلَا يتْرك الْمُتَيَقن للمحتمل. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَمِمَّنْ مسح على الْعِمَامَة: أَبُو بكر الصّديق، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَبِه قَالَ عمر وَأنس وَأَبُو أُمَامَة، وَرُوِيَ عَن سعد بن مَالك وَأبي الدارداء. وَبِه قَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَقَتَادَة وَمَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ وابو ثَوْر. وَقَالَ عُرْوَة وَالنَّخَعِيّ وَالشعْبِيّ وَالقَاسِم وَمَالك وَالشَّافِعِيّ واصحاب الرَّأْي: لَا يجوز الْمسْح عَلَيْهَا؛ وَفِي (المغنى) : وَمن شَرَائِط جَوَاز الْمسْح على الْعِمَامَة شَيْئَانِ: أَحدهمَا: أَن تكون تَحت الحنك، سَوَاء أرْخى لَهَا ذؤابة أم لَا، قَالَه القَاضِي، وَلَا فرق بَين الصَّغِيرَة والكبيرة إِذا وَقع عَلَيْهَا الِاسْم. وَقيل: إِنَّمَا لم يجز الْمسْح على الْعِمَامَة الَّتِي لَيْسَ لَهَا حنك، لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بالتلحي وَنهى عَن الاقتعاط. قَالَ أَبُو عبيد: الاقتعاط: أَن لَا يكون تَحت الحنك مِنْهَا شَيْء. وَرُوِيَ أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رأى رجلا لَيْسَ تَحت حنكه من عمَامَته شَيْء، فحنكه بكور مِنْهَا، وَقَالَ: مَا هَذِه الفاسقية؟ الشَّرْط الثَّانِي: أَن تكون ساترة لجَمِيع الرَّأْس إلَاّ مَا جرت الْعَادة بكشفه، كمقدم الرَّأْس والأذنين، وَيسْتَحب أَن يمسح على مَا ظهر من الرَّأْس مَعَ الْمسْح على الْعِمَامَة، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَلَا يجوز الْمسْح على القلنسوة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا نعلم أحدا قَالَ بِالْمَسْحِ على القلنسوة إلَاّ أنسا مسح على قلنسوته. وَفِي جَوَاز الْمسْح للْمَرْأَة على الْخمار رِوَايَتَانِ: احداهما: يجوز، وَالثَّانيَِة: لَا يجوز. قَالَ نَافِع وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز، وَلَا يجوز الْمسْح على الْوِقَايَة قولا وَاحِدًا، وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا لِأَنَّهُ لَا يشق نَزعهَا. وَأما الحكم الثَّانِي: للْحَدِيث فقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وتابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ يَحْيىَ عَنْ أبي سَلَمَة عَنْ عَمْرٍ وَقَالَ رَأَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِه وخُفَّيْهِ.
أَي: تَابع الْأَوْزَاعِيّ معمر بن رَاشد. فَقَوله:(معمر) بِالرَّفْع فَاعل لقَوْله: (تَابعه) ، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ للأوزاعي، وَهَذِه الْمُتَابَعَة مُرْسلَة وَلَيْسَ فِيهَا ذكر الْعِمَامَة، لما روى عَنهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن عمر، وَقَالَ:(رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يمسح على خفيه) ، هَكَذَا وَقع فِي مُصَنف عبد الرَّزَّاق، وَلم يذكر الْعِمَامَة. وَأَبُو سَلمَة لم يسمع من عَمْرو، وَإِنَّمَا سمع من أَبِيه جَعْفَر، فَلَا حجَّة فِيهَا. قَالَه الْكرْمَانِي، قلت: وَقع فِي كتاب الطَّهَارَة لِابْنِ مُنْذر من طَرِيق معمر: وَفِيه إِثْبَات ذكر الْعِمَامَة، وَقَالَ بَعضهم: سَماع أبي سَلمَة من عَمْرو مُمكن، فَإِنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة سِتِّينَ، وَأَبُو سَلمَة مدنِي، وَقد سمع من خلق مَاتُوا قبل عمر. وَقلت: كَونه مدنياً وسماعه من خلق مَاتُوا قبله لَا يسْتَلْزم سَمَاعه من عَمْرو، وبالاحتمال لَا يثبت ذَلِك.