٢٠٦ - حدّثنا أبُو نُعَيْمٍ قالَ حدّثنا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عامِرٍ عَنْ عُرْوَةَ بن المُغِيرَةِ عَنْ أبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَرٍ فأهْوَيْتُ لَانْزِعَ خُفَّيْهِ فقالَ دَعْهُمَا فَانِّي أدْخَلْتُهُمَا طَاهرَتَيْنِ فَمَسَحَ عَلَيْهمَا..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
بَيَان رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: ذكريا بن أبي زَائِدَة الْكُوفِي. الثَّالِث: عَامر بن شرَاحِيل الشّعبِيّ التَّابِعِيّ، قَالَ: ادركت خَمْسمِائَة صَحَابِيّ أَو أَكثر يَقُولُونَ: عَليّ وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر فِي الْجنَّة، تقدم هُوَ وزَكَرِيا فِي بَاب فضل من اسْتَبْرَأَ لدينِهِ. الرَّابِع: عُرْوَة بن الْمُغيرَة. الْخَامِس: الْمُغيرَة بن شُعْبَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
بَيَان لطائف اسناده مِنْهَا: أَن فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع والعنعنة. وَمِنْهَا: أَن رُوَاته كلهم كوفيون. وَمِنْهَا: أَن فِيهِ رِوَايَة التَّابِعِيّ.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره قد مر عَن قريب.
بَيَان اللُّغَات وَالْإِعْرَاب قَوْله: (فِي سفر) : هُوَ سفرة غَزْوَة تَبُوك كَمَا ورد مُبينًا فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي (الصَّحِيح) وَكَانَت فِي رَجَب سنة تسع. قَوْله: (فَأَهْوَيْت) أَي: مددت يَدي، وَيُقَال: أَي أَشرت إِلَيْهِ. قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال أَهْوى إِلَيْهِ بيدَيْهِ ليأخذه. قَالَ الْأَصْمَعِي: اهويت الشَّيْء إِذا أَوْمَأت بِهِ. وَقَالَ التَّيْمِيّ: أهويت أَي: قصدت الْهوى من الْقيام إِلَى الْقعُود. وَقيل: الإهواء: الإمالة. قَوْله: (لأنزع) ، بِكَسْر الزَّاي من بَاب: ضرب يضْرب، فَإِن قلت: فِيهِ حرف الْحلق، وَمَا فِيهِ حرف من حُرُوف الْحلق، يكون من بَاب: فعل يفعل بِالْفَتْح، فيهمَا. قلت: لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، وَإِنَّمَا إِذا وجد فعل يفعل بِالْفَتْح فيهمَا، فَالشَّرْط فِيهِ أَن يكون فِيهِ حرف من حُرُوف الْحلق، وَأما إِذا كَانَت كلمة فِيهَا حرف حلق لَا يلْزم أَن تكون من بَاب فعل يفعل بِالْفَتْح فيهمَا. قَوْله: (خُفْيَة) أَي: خَفِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (دعهما) اي: دع الْخُفَّيْنِ. فَقَوله: (دع) أَمر مَعْنَاهُ: أترك، وَهُوَ من الْأَفْعَال الَّتِي أماتوا ماضيها. قَوْله: (فَإِنِّي أدخلتهما) أَي: الرجلَيْن. قَوْله: (طاهرتين) أَي من الْحَدث، وَهُوَ مَنْصُوب على الْحَال، وَهَذَا رِوَايَة الْأَكْثَرين. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (وهما طاهرتان) ، وَهِي جملَة أسمية حَالية. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَإِنِّي أدخلت الْقَدَمَيْنِ الْخُفَّيْنِ وهما طاهرتان) . وللحميدي فِي (مُسْنده) : (قلت يَا رَسُول الله: أيمسح أَحَدنَا على خفيه؟ قَالَ: نعم، إِذا أدخلهما وهما طاهرتان) . وَلابْن خُزَيْمَة من حَدِيث صَفْوَان بن غَسَّان: (أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نمسح على الْخُفَّيْنِ إِذا نَحن أدخلناهما على طهر ثَلَاثًا إِذا سافرنا، وَيَوْما وَلَيْلَة إِذا أَقَمْنَا) . قَوْله: (فَمسح عَلَيْهِمَا) أَي: على الْخُفَّيْنِ، وَفِيه إِضْمَار تَقْدِيره: فأحدث فَمسح عَلَيْهِمَا، لِأَن وَقت جَوَاز الْمسْح بعد الْحَدث. وَالْوُضُوء، وَلَا يجوز قبله، لِأَنَّهُ على طَهَارَة.
بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول: فِيهِ جَوَاز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ وَبَيَان مشروعيته. الثَّانِي: احتجت بِهِ الشَّافِعِيَّة على أَن شَرط جَوَاز الْمسْح لبسهما على طَهَارَة كَامِلَة قبل لبس الْخُف، لِأَن الحَدِيث جعل الطَّهَارَة قبل لبس الْخُف شرطا لجَوَاز الْمسْح، وَالْمُعَلّق بِشَرْط لَا يَصح إلَاّ بِوُجُود ذَلِك الشَّرْط. وَقَالَ بَعضهم: قَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) من الْحَنَفِيَّة: شَرط إِبَاحَة الْمسْح لبسهما على طَهَارَة كَامِلَة. قَالَ وَالْمرَاد بالكاملة وَقت الْحَدث لَا وَقت اللّبْس. انْتهى. فَقَالَ: والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَذكر مَا ذَكرْنَاهُ الْآن عَن الشَّافِعِيَّة. قلت: نقُول أَولا مَا قَالَه صَاحب (الْهِدَايَة) ، ثمَّ نرد على هَذَا الْقَائِل مَا قَالَه. أما عبارَة صَاحب الْهِدَايَة فَهِيَ قَوْله: إِذا لبسهما على طَهَارَة كَامِلَة، لَا يُفِيد اشْتِرَاط الْكَمَال وَقت اللّبْس، بل وَقت الْحَدث، وَهُوَ الْمَذْهَب عندنَا حَتَّى لَو غسل رجلَيْهِ وَلبس خفيه ثمَّ أكمل الطَّهَارَة ثمَّ أحدث يجْزِيه الْمسْح، وَهَذَا لِأَن الْخُف مَانع حُلُول الْحَدث بالقدم، فيراعى كَمَال الطَّهَارَة وَقت الْمَنْع وَهُوَ وَقت الْحَدث، حَتَّى لَو كَانَت نَاقِصَة عِنْد ذَلِك كَانَ الْخُف رَافعا. وَأما بَيَان الرَّد على هَذَا الْقَائِل: بِأَن الحَدِيث الْمَذْكُور لَيْسَ بِحجَّة على صَاحب (الْهِدَايَة) ، فَهُوَ إِنَّا نقُول أَولا: إِن اشْتِرَاط اللّبْس على طَهَارَة كَامِلَة لَا خلاف فِيهِ لأحد، وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَنه هَل يشْتَرط الْكَمَال عِنْد اللّبْس أَو عِنْد الْحَدث؟ فعندنا عِنْد الْحَدث، وَعند الشَّافِعِي عِنْد اللّبْس. وَتظهر ثَمَرَته فِيمَا إِذا غسل رجلَيْهِ أَولا وَلبس خفيه، ثمَّ أتم الْوضُوء قبل أَن يحدث، ثمَّ أحدث جَازَ لَهُ الْمسْح عندنَا، خلافًا لَهُ. وَكَذَا لَو تَوَضَّأ فرتب. لَكِن غسل إِحْدَى رجلَيْهِ وَلبس الْخُف، ثمَّ غسل الْأُخْرَى وَلبس الْخُف الآخر يجوز عندنَا خلافًا لَهُ، ثمَّ قَوْله: الْمُعَلق بِشَرْط لَا يَصح إلَاّ بِوُجُود ذَلِك الشَّرْط، سلمناه، وَلَكِن لَا نسلم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَرط كَمَال الطَّهَارَة وَقت اللّبْس، لِأَنَّهُ لَا يفهم من نَص الحَدِيث غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه أخبر أَنه لبسهما وَقَدمَاهُ كَانَتَا طاهرتين، فأخذنا من هَذَا اشْتِرَاط الطَّهَارَة لأجل جَوَاز الْمسْح، سَوَاء كَانَت الطَّهَارَة حَاصِلَة وَقت اللّبْس أَو وَقت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute