للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ مَشَايِخنَا: إِن كَانُوا متهيئين للسُّجُود وَوَقع فِي قلبه أَنه لَا يشق عَلَيْهِم أَدَاؤُهَا يَنْبَغِي أَن يجْهر حَتَّى يسْجد الْقَوْم مَعَه، وَإِن كَانُوا محدثين أَو يظنّ أَنهم لَا يَسْجُدُونَ أَو يشق عَلَيْهِم أَدَاؤُهَا يَنْبَغِي أَن يَقْرَأها فِي نَفسه وَلَا يجْهر تَحَرُّزًا عَن تأثيم الْمُسلم. قلت كل هَذَا مَبْنِيّ على وجوب سَجْدَة التِّلَاوَة، وَمِمَّا اسْتدلَّ بِأَحَادِيث السُّجُود للتلاوة على أَنه لَا يقوم الرُّكُوع مقَام سُجُود التِّلَاوَة، وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يقوم الرُّكُوع مقَام السُّجُود، للتلاوة اسْتِحْسَانًا لقَوْله تَعَالَى: {خر رَاكِعا وأناب} (ص: ٤٢) . وَفِي (الْيَنَابِيع) : إِن كَانَت السَّجْدَة فِي آخر السُّورَة فَالْأَفْضَل أَن يرْكَع بهَا، وَإِن كَانَت فِي وَسطهَا فَالْأَفْضَل أَن يسْجد ثمَّ يقوم فيختم السُّورَة، ثمَّ يرْكَع، وَإِن كَانَت فِي آخر السُّورَة وَبعدهَا آيتان أَو ثَلَاث فَإِن شَاءَ أتم السُّورَة وَركع، وَإِن شَاءَ سجد ثمَّ قَامَ فَأَتمَّ السُّورَة، فَإِن ركع بهَا يحْتَاج إِلَى النِّيَّة عِنْد الرُّكُوع بهَا، فَإِن لم تُوجد مِنْهُ النِّيَّة عِنْد الرُّكُوع بهَا لَا يجْزِيه عَن السَّجْدَة، وَلَو نوى فِي رُكُوعه، فَقيل: يجْزِيه، وَقيل: لَا يجْزِيه، وَاسْتدلَّ أَيْضا بِأَحَادِيث سُجُود المستمع لآيَة السَّجْدَة على أَنه لَا فرق بَين أَن يسْمعهَا مِمَّن هُوَ أهل للْإِمَامَة أَو لَا، كَمَا لَو سَمعهَا من امْرَأَة أَو صبي أَو خُنْثَى مُشكل أَو كَافِر أَو مُحدث، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة، وَعند الشَّافِعِيَّة كَذَلِك على مَا ذكره النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) : وَقَالَ: هُوَ الْأَصَح، وَلَيْسَ فِي عبارَة الرَّافِعِيّ تَصْرِيح بالتصحيح لَهُ، وَلكنه لما ذكر عبارَة الْغَزالِيّ فِي (الْوَجِيز) قَالَ: ظَاهر اللَّفْظ يَشْمَل قِرَاءَة الْمُحدث وَالصَّبِيّ وَالْكَافِر، وَيَقْتَضِي شَرْعِيَّة السُّجُود للمستمع إِلَى قِرَاءَته، وَحكى الرَّافِعِيّ قبل هَذَا عَن صَاحب (الْبَيَان) : أَنه لَا يسْجد المستمع لقِرَاءَة الْمُحدث، ثمَّ ذكر بعد ذَلِك عَن الطَّبَرِيّ فِي الْعدة: أَنه لَا يسْجد المستمع لقِرَاءَة الْكَافِر وَالصَّبِيّ، وَحكى ابْن قدامَة فِي (الْمُغنِي) ؛ عَن الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق: أَنه لَا يسْجد لقِرَاءَة الْمَرْأَة وَالْخُنْثَى الْمُشكل، وَرِوَايَة وَاحِدَة عَن أَحْمد، وَحكى عَنهُ وَجْهَان فِيمَا إِذا كَانَ صَبيا، وَذَهَبت الْمَالِكِيَّة أَيْضا إِلَى أَنه: لَا يسْجد لاستماع قِرَاءَة من لَيْسَ أَهلا للْإِمَامَة، وَقَالَ الثَّوْريّ: إِذا سمع آيَة السَّجْدَة من امْرَأَة تَلَاهَا السَّامع وَسجد، وَقَالَ اللَّيْث: إِذا سَمعهَا من غُلَام سجد، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: ذكر بعض أَصْحَابنَا أَن القارىء إِن كَانَ مِمَّن تمْتَنع عَلَيْهِ الْقِرَاءَة كالجنب والسكران لم يسْجد المستمع لقرَاءَته، وَبِه جزم القَاضِي حُسَيْن فِي فتواه.

٢١ - (بابُ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعا لِلسُّجُودِ مِنَ الزِّحَامِ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ حكم من لم يجد. . إِلَى آخِره، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى أَنه يرى أَنه يسْجد بِقدر استطاعته، وَلَو كَانَ على ظهر غَيره.

٩٧٠١ - حدَّثنا صَدَقَةُ قَالَ أخبرنَا يَحْيى عنْ عُبَيْدِ الله عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقْرَأُ السُّورةَ الَّتِي فِيها السَّجْدَةُ فَيَسْجُدُ وَنسْجُدُ حَتَّى مَا يَجدُ أحدُنا مَكانا لِمَوْضِعَ جَبْهَتِهِ.

(أنظر الحَدِيث ٥٧٠١ وطرفه) .

مر هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي: بَاب ازدحام النَّاس إِذا قَرَأَ الإِمَام السَّجْدَة، فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ: عَن بشر بن آدم عَن عَليّ بن مسْهر عَن عبيد الله عَن نَافِع إِلَى آخِره، وَهَهُنَا أخرجه: عَن صَدَقَة بن الْفضل، مضى ذكره فِي: بَاب الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ، عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب.

قَوْله: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ السُّورَة الَّتِي فِيهَا السَّجْدَة) ، وَزَاد عَليّ بن مسْهر فِي رِوَايَته عَن عبيد الله: (وَنحن عِنْده) . قَوْله: (فَيسْجد) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (ونسجد) ، بنُون الْمُتَكَلّم، أَي: وَنحن نسجد، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (ونسجد مَعَه) ، قَوْله: (لموْضِع جَبهته) ، يَعْنِي من الزحام وَكَثْرَة الْخلق. وَقَالَ مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة. قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر، قَالَ: حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع (عَن ابْن عمر، قَالَ: رُبمَا قَرَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقُرْآن فيمر بِالسَّجْدَةِ فَيسْجد بِنَا حَتَّى ازدحمنا عِنْده حَتَّى مَا يجد أَحَدنَا مَكَانا يسْجد فِيهِ فِي غير صَلَاة) ، وَرِوَايَة مُسلم هَذِه دلّت على أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت فِي غير وَقت صَلَاة، وأفادت رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق مُصعب بن ثَابت عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث أَن ذَلِك كَانَ بِمَكَّة لما قَرَأَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم النَّجْم، وَزَاد فِيهِ: (حَتَّى يسْجد الرجل على ظهر الرجل) .

<<  <  ج: ص:  >  >>