من الْمُؤمنِينَ كَانَ مظنونا والمتيقن هُوَ تَكْذِيب الَّذين لم يُؤمنُوا أصلا فَإِن قيل: فَمَا وَجه كَلَام ابْن عَبَّاس؟ قيل: وَجهه مَا ذكره الْخطابِيّ: بِأَن يُقَال لَا شكّ أَن مذْهبه أَنه لم يجز على الرُّسُل أَن يكذبوا بِالْوَحْي الَّذِي يَأْتِيهم من قبل الله لَكِن يحْتَمل أَن يُقَال: إِنَّهُم عِنْد تطاول الْبلَاء وإبطاء نجز الْوَعْد توهموا أَن الَّذِي جَاءَهُم من الْوَحْي كَانَ غَلطا مِنْهُم. فالكذب متأول بالغلط. كَقَوْلِهِم: كذبتك نَفسك. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَعَن ابْن عَبَّاس: وظنوا حِين ضعفوا أَو غلبوا أَنهم قد خلفوا مَا وعدهم الله من النَّصْر، وَقَالَ: وَكَانُوا بشرا وتلا قَوْله: {وزلزلوا حَتَّى يَقُول الرَّسُول} (الْبَقَرَة: ٢١٤) فَإِن صَحَّ هَذَا فقد أَرَادَ بِالظَّنِّ مَا يهجس فِي الْقلب من شبه الوسوسة. وَحَدِيث النَّفس على مَا عَلَيْهِ البشرية وَأما الظَّن الَّذِي يتَرَجَّح أحد الْجَانِبَيْنِ على الآخر فِيهِ فَغير جَائِز على آحَاد الْأمة فَكيف بالرسل؟ قَوْله: (تقرؤها) أَي: فَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا. تقْرَأ قَوْله وكذبوا، مثقلة أَي: بِالتَّشْدِيدِ، وَهِي قِرَاءَة نَافِع وَابْن كثير وَأبي عَمْرو وَابْن عَامر، وَقِرَاءَة عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ بِالتَّخْفِيفِ.
٣٩ - (بابٌ: {نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ} الآيَةَ (الْبَقَرَة: ٢٢٣)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} الْآيَة قَوْله: {حرث لكم} أَي: مَوَاضِع حرث لكم، وَهَذَا مجَاز شبههن بالمحارث تَشْبِيها لما يلقى فِي أرحامهن من النطف الَّتِي مِنْهَا النَّسْل بالبذر، وروى الإِمَام أَحْمد بِإِسْنَادِهِ إِلَى ابْن عَبَّاس أنزلت هَذِه الْآيَة {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم} فِي أنَاس من الْأَنْصَار أَتَوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَسَأَلُوهُ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ائتها على كل حَال إِذا كَانَ فِي الْفرج، وَرُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. فَقَالَ: يَا رَسُول الله {هَلَكت} قَالَ: مَا الَّذِي أهْلكك؟ قَالَ: حولت رحلي البارحة فَلم يرد عَلَيْهِ شَيْئا. قَالَ: فَأوحى الله إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة: {نِسَاؤُكُمْ حرث لكم فَأتوا حَرْثكُمْ أَنى شِئْتُم} أقبل وَأدبر وَاتَّقِ الدبر والحيضة، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حسن غَرِيب. قَوْله: (أنَّى شِئْتُم) ، أَي: كَيفَ شِئْتُم مقبلة أَو مُدبرَة إِذا كَانَ فِي صمام وَاحِد. أَي: فِي مَسْلَك وَاحِد، والصمام مَا يسد بِهِ الفرجة فَسمى بِهِ الْفرج وَيجوز أَن يكون فِي مَوضِع صمام على حذف مُضَاف، وَهُوَ بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وتحفيف الْمِيم، ويروى بِالسِّين الْمُهْملَة.
٤٥٢٦ - ح دَّثنا إسْحَاقُ أخبرنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ أخبرنَا ابنُ عَوْنٍ عنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابنُ عُمَرَ رَضِيَ الله عَنْهُمَا إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ فأخَذْتُ عَلَيْهِ يَوْما فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ حَتَّى انْتَهى إلَى مَكَانٍ قَالَ تَدْرِي فَمَا أُنْزِلَتْ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: أُنْزِلَتْ فِي كَذَا وَكَذَا ثُمَّ مَضَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فِي كَذَا وَكَذَا) لِأَن المُرَاد بِهِ فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن على مَا نذكرهُ عَن قريب. وَإِسْحَاق هُوَ ابْن رَاهَوَيْه يروي عَن النَّضر، بالضاد الْمُعْجَمَة ابْن شُمَيْل، بالشين الْمُعْجَمَة مصغر شَمل يروي عَن عبد الله بن عون بِفَتْح الْعين وبالنون. عَن نَافِع مولى بن عمر عَن عبد الله بن عمر.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث فِي تَفْسِيره، وَقَالَ بدل قَوْله: (حَتَّى انْتهى إى مَكَان قَالَ: تَدْرِي) إِلَى قَوْله: قلت: لَا. قَالَ: (نزلت فِي إتْيَان النِّسَاء فِي أدبارهن) وَهَكَذَا أوردهُ ابْن جرير من طَرِيق إِسْمَاعِيل بن علية عَن ابْن عون مثله، وَهَذَا قد فسر ذَاك الْمُبْهم فِي حَدِيث الْبَاب قَوْله: (ثمَّ مضى أَي: فِي قِرَاءَته) .
٤٥٢٧ - وَعَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ حدَّثني أبي حدَّثني أيُّوبُ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ {فَأتوا حَرْثَكُمْ أنَّى شِئْتُمْ} قَالَ يَأْتِيهَا فِي رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ عنْ أبِيهِ عَن عُبَيْدِ الله عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ.
هَذَا مَعْطُوف على قَوْله أخبرنَا بالنضر بن شُمَيْل، يَعْنِي: النَّضر يروي أَيْضا عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث، وَهُوَ يروي عَن أَبِيه عبد الْوَارِث بن سعيد عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَهَذِه الرِّوَايَة رَوَاهَا جرير ابْن فِي (التَّفْسِير) عَن أبي قلَابَة الرقاشِي عَن عبد الصَّمد بن عبد الْوَارِث حَدثنِي أبي فَذكره بِلَفْظ: يَأْتِيهَا فِي الدبر، وَوَقع هُنَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ يَأْتِيهَا فِي وَسكت عَن مجرورها، وَلم يذكر فِي أَي شَيْء، وَهَكَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ، وَلَكِن الْحميدِي ذكر
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute