هَذَا الحَدِيث قد مر من رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن الزُّهْرِيّ عَن مَالك بن أويس عَن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فِي: بَاب مَا يذكر فِي بيع الطَّعَام والحكرة، وَمر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ.
أَي: هَذَا بَاب فِي حكم بيع الزَّبِيب ... إِلَى آخِره.
١٧١٢ - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حَدثنَا مالِكٌ عَن نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُما أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنِ المُزَابَنَةِ والمُزَابَنَةُ بَيْع التَّمْرِ بالتَّمْرِ كَيْلا وبَيْعُ الزَّبِيبِ بالْكَرْم كَيْلا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ الْمَعْنى، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي ذكره البُخَارِيّ من جِهَة النَّص: (الزَّبِيب بالزبيب وَلَا الطَّعَام بِالطَّعَامِ) ، فَلَو حقق الحَدِيث بِبيع التَّمْر فِي رُؤُوس الشّجر بِمثلِهِ من جنسه يَابسا، أَو صحّح الْكَلَام على قدر مَا ورد بِهِ لفظ الْخَبَر كَانَ أولى. وَقَالَ بَعضهم: كَأَن البُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى مَا وَقع فِي بعض طرقه من ذكر الطَّعَام، وَهُوَ فِي رِوَايَة اللَّيْث عَن نَافِع كَمَا سَيَأْتِي. انْتهى. قلت: هَذَا الَّذِي قَالَه لَا يساعد البُخَارِيّ، وَالْوَجْه مَا ذَكرْنَاهُ من أَنه أَخذ فِي التَّرْجَمَة من حَيْثُ الْمَعْنى، وَهَذَا الْمِقْدَار كافٍ فِي الْمُطَابقَة، وَرُبمَا يَأْتِي بعض الْأَبْوَاب لَا تُوجد الْمُطَابقَة فِيهِ إلَاّ بِأَدْنَى من هَذَا الْمِقْدَار، وَالْغَرَض وجود شَيْء مَا من الْمُنَاسبَة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن عبد الله بن يُوسُف فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى. وَالنَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ.
والمزابنة، مفاعلة، لَا تكون إلَاّ بَين اثْنَيْنِ، وَأَصلهَا الدّفع الشَّديد، قَالَ الدَّاودِيّ: كَانُوا قد كثرت فيهم المدافعة بالخصام، فسميت الْمُزَابَنَة، وَلما كَانَ كل وَاحِد من الْمُتَبَايعين يدْفع الآخر فِي هَذِه الْمُبَايعَة عَن حَقه، سميت بذلك، وَقَالَ ابْن سَيّده: الزَّبْن دفع الشَّيْء عَن الشَّيْء، زبن الشَّيْء يزبنه زبنا وزبن بِهِ، وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: الْمُزَابَنَة كل بيع فِيهِ غرر، وَهُوَ بيع كل جزاف لَا يعلم كَيْله وَلَا وَزنه وَلَا عدده، وَأَصله أَن المغبون يُرِيد أَن يفْسخ البيع، وَيُرِيد الغابن أَن لَا يفسخه فيتزابنان عَلَيْهِ، أَي: يتدافعان، وَعند الشَّافِعِي: هُوَ بيع مَجْهُول بِمَجْهُول أَو مَعْلُوم، من جنس تَحْرِيم الرِّبَا فِي نَقده، وَخَالفهُ مَالك فِي هَذَا الْقَيْد، سَوَاء كَانَ مِمَّا يحرم الرِّبَا فِي نَقده أَو لَا، وَلَا، مطعوما كَانَ أَو غير مطعوم. قَوْله:(والمزابنة بيع الثَّمر) إِلَى آخِره، قَالَ أَبُو عمر: لَا خلاف بَين الْعلمَاء أَن تَفْسِير الْمُزَابَنَة فِي هَذَا الحَدِيث من قَول ابْن عمر أَو مرفوعه، وَأَقل ذَلِك أَن يكون من قَوْله، وَهُوَ رواي الحَدِيث فَيسلم لَهُ، وَكَيف وَلَا مُخَالف فِي ذَلِك؟ قَوْله:(بيع الثَّمر بِالتَّمْرِ) قَالَ الْكرْمَانِي: بيع الثَّمر بِالْمُثَلثَةِ بِالتَّمْرِ بالفوقية، وَمَعْنَاهُ: الرطب بِالتَّمْرِ، وَلَيْسَ المُرَاد كل الثِّمَار، فَإِن سَائِر الثِّمَار يجوز بيعهَا بِالتَّمْرِ. قَوْله:(كَيْلا) أَي: من حَيْثُ الْكَيْل، نصب على التَّمْيِيز. قَوْله:(بِالْكَرمِ) ، بِسُكُون الرَّاء: شجر الْعِنَب، لَكِن المُرَاد هُنَا نفس الْعِنَب. قَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ من بَاب الْقلب، إِذْ الْمُنَاسب لقرينته أَن يدْخل الْجَار على الزَّبِيب لَا على الْكَرم، وَقَالَ أَبُو عمر: وَأَجْمعُوا على تَحْرِيم بيع الْعِنَب بالزبيب، وعَلى تَحْرِيم بيع الْحِنْطَة فِي سنبلها بحنطة صَافِيَة، وَهُوَ المحاقلة، وَسَوَاء عِنْد جمهورهم كَانَ الرطب وَالْعِنَب على الشّجر أَو مَقْطُوعًا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن كَانَ مَقْطُوعًا جَازَ بَيْعه بِمثلِهِ من الْيَابِس، وَقَالَ ابْن بطال: أجمع الْعلمَاء على أَنه لَا يجوز بيع التَّمْر فِي رُؤُوس النّخل بِالتَّمْرِ، لِأَنَّهُ مزابنة، وَقد نهى عَنهُ. وَأما رطب ذَلِك مَعَ يابسه إِذا كَانَ مَقْطُوعًا، وَأمكن فِيهِ الْمُمَاثلَة، فجمهور الْعلمَاء لَا يجيزون بيع شَيْء من ذَلِك بِجِنْسِهِ لَا متماثلاً وَلَا مُتَفَاضلا، وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بيع الْحِنْطَة الرّطبَة باليابسة وَالتَّمْر بالرطب مثلا بِمثل، وَلَا يُجِيزهُ مُتَفَاضلا. قَالَ ابْن الْمُنْذر: وأظن أَن أَبَا ثَوْر وَافقه.