التَّيْمِيّ عَن عُرْوَة، لكنه أسقط أَبَا مراوح، وَالصَّوَاب إثْبَاته، وَهُوَ مَحْمُول على أَن لعروة فِيهِ طَرِيقين: سَمعه من عَائِشَة، وسَمعه من أبي مراوح عَن حَمْزَة.
ذكر مَعْنَاهُ: وَقَوله: (إِنِّي أسرد الصَّوْم) أَي: أتابعه يَعْنِي: آتِي بِهِ متواليا، وَهُوَ من سرد يسْرد من: بَاب نصر ينصر. وَقَالَ ابْن التِّين: وَضبط فِي بعض الْأُمَّهَات بِضَم الْهمزَة، وَلَا وَجه لَهُ فِي اللُّغَة إلَاّ أَن يُرِيد بِفَتْح السِّين وَتَشْديد الرَّاء على التكثير. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّطْوِيل لِأَنَّهُ حِين قيل بِضَم الْهمزَة علم أَنه من: بَاب التفعيل، تَقول: سرد يسْرد تسريدا، وَصِيغَة الْمُتَكَلّم وَحده لَا تَجِيء إلَاّ بِضَم الْهمزَة، قَالُوا: وَفِيه رد على من يرى أَن صَوْم الدَّهْر مَكْرُوه لِأَنَّهُ أخبر بسرده، وَلم يُنكر عَلَيْهِ، بل أقره وَأذن لَهُ فِي السّفر، فَفِي الْحَضَر أولى. وَأجِيب: بِأَن التَّتَابُع يصدق بِدُونِ صَوْم الدَّهْر فَلَا دلَالَة فِيهِ على الْكَرَاهَة. فَإِن قلت: يُعَارضهُ نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ. قلت: يحمل نَهْيه على ضعف عبد الله عَن ذَلِك، وَحَمْزَة ذكر قُوَّة لم يذكرهَا غَيره.
٣٤٩١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّ حَمْزَةَ بنَ عَمْرٍ والأسْلَمِيَّ قَالَ لِلنبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أأصُومُ فِي السَّفَرِ وكانَ كَثِيرَ الصِّيامِ فَقَالَ إنْ شِئْتَ فَصُمْ وإنْ شِئْتَ فأفْطِرْ. (انْظُر الحَدِيث ٢٤٩١) .
هَذَا طَرِيق ثَان. قَوْله: (أأصوم؟) بهمزتين الأولى هِيَ همزَة الِاسْتِفْهَام وَالْأُخْرَى همزَة الْمُتَكَلّم، وكلتاهما مفتوحتان. قيل: لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهُ صَوْم رَمَضَان، فَلَا يكون فِيهِ حجَّة على منع صِيَام رَمَضَان فِي السّفر. وَأجِيب: بِأَن فِي رِوَايَة أبي مراوح فِي رِوَايَة مُسلم الَّتِي ذَكرنَاهَا إشعارا بِأَنَّهُ سَأَلَ عَن صِيَام الْفَرِيضَة، لِأَن الرُّخْصَة إِنَّمَا تطلق فِي مُقَابل مَا هُوَ وَاجِب، وأصرح من ذَلِك وَأكْثر وضوحا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِم من طَرِيق مُحَمَّد بن حَمْزَة بن عَمْرو عَن أَبِيه أَنه قَالَ: (يَا رَسُول الله! إِنِّي صَاحب ظهر أعَالجهُ، أسافر عَلَيْهِ وأكريه، وَأَنه رُبمَا صادفني هَذَا الشَّهْر يَعْنِي: شهر رَمَضَان وَأَنا أجد الْقُوَّة وأجدني أَن أَصوم أَهْون عَليّ من أَن أؤخره، فَيكون دينا عَليّ؟ فَقَالَ: أَي ذَلِك شِئْت يَا حَمْزَة) .
٤٣ - (بابٌ إذَا صامَ أيَّاما مِنْ رمَضَانَ ثُمَّ سافَرَ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صَامَ شخص أيامر من رَمَضَان ثمَّ سَافر هَل يُبَاح لَهُ الْفطر أم لَا؟ وَلم يذكر جَوَاب إِذا اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب، تَقْدِيره: يُبَاح لَهُ الْفطر. وَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيف مَا روى عَن عَليّ بِإِسْنَاد ضَعِيف أَن: من اسْتهلّ عَلَيْهِ رَمَضَان فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر بعد ذَلِك فَلَيْسَ لَهُ أَن يفْطر لقَوْله تَعَالَى: {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} (الْبَقَرَة: ٥٨١) . انْتهى. قلت: قد مر مثل هَذَا الْكَلَام من هَذَا الْقَائِل غير مرّة، وأجبنا عَن هَذَا بِأَن الْإِشَارَة لَا تكون إلَاّ للحاضر، فَمن أَيْن علم أَنه اطلع على هَذَا الحَدِيث حَتَّى أَشَارَ إِلَيْهِ؟ وَلَئِن سلمنَا اطِّلَاعه على هَذَا، فَكيف وَجه الْإِشَارَة إِلَيْهِ؟
٤٤٩١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَرَجَ إلَى مَكَّةَ فِي رمَضَانَ فصامَ حَتَّى بلَغَ الكَدِيدَ أفْطَرَ فَأفْطر النَّاسُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى مَكَّة فصَام أَيَّامًا ثمَّ أفطر.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَعبيد الله بن عبد الله بِالتَّصْغِيرِ فِي الابْن وَالتَّكْبِير فِي الْأَب ابْن عتبَة بن مَسْعُود، أحد الْفُقَهَاء السَّبْعَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجِهَاد عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِي الْمَغَازِي عَن مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن عبد الله بن يُوسُف عَن اللَّيْث. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن يحيى بن يحيى وَابْن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَمْرو النَّاقِد، أربعتهم عَن سُفْيَان بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق، وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح كِلَاهُمَا عَن اللَّيْث عَنهُ بِهِ، وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى عَن ابْن وهب، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن سُفْيَان بِهِ.