للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْقُرْطُبِيّ. وَفِيه: وجوب الْخِيَار فِي الْعنَّة. وَفِيه: أَن الصَّوْم قَاطع لشَهْوَة النِّكَاح. وَاعْترض بِأَن الصَّوْم يزِيد فِي تهييج الْحَرَارَة وَذَلِكَ مِمَّا يثير الشَّهْوَة. وَأجِيب: بِأَن ذَلِك إِنَّمَا يَقع فِي مبدأ الْأَمر، فَإِذا تَمَادى عَلَيْهِ واعتاده سكن ذَلِك، وشهوة النِّكَاح تَابِعَة لشَهْوَة الْأكل، فَإِنَّهُ يقوى بقوتها ويضعف بضعفها. وَفِيه: الْأَمر بِالنِّكَاحِ لمن اسْتَطَاعَ وتاقت نَفسه، وَهُوَ إِجْمَاع، لكنه عِنْد الْجُمْهُور أَمر ندب لَا إِيجَاب، وَإِن خَافَ الْعَنَت كَذَا قَالُوا.

قلت: النِّكَاح على ثَلَاثَة أَنْوَاع: الأول: سنة وَهُوَ فِي حَال الِاعْتِدَال لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (تناكحوا تَوَالَدُوا تكثروا، فَإِنِّي أباهي بكم الْأُمَم يَوْم الْقِيَامَة) . الثَّانِي: وَاجِب وَهُوَ عِنْد التوقان وَهُوَ غَلَبَة الشَّهْوَة. الثَّالِث: مَكْرُوه وَهُوَ إِذا خَافَ الْجور، لِأَنَّهُ إِنَّمَا شرع لمصَالح كَثِيرَة فَإِذا خَافَ الْجور لم تظهر تِلْكَ الْمصَالح ثمَّ فِي هَذِه الْحَالة تشتغل بِالصَّوْمِ، وَذَلِكَ أَن الله تَعَالَى أحل النِّكَاح وَندب نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِ ليكونوا على كَمَال من دينهم وصيانة لأَنْفُسِهِمْ من غض أَبْصَارهم وَحفظ فروجهم لما يخْشَى على من جبله الله على حب أعظم الشَّهَوَات، ثمَّ أعلم أَن النَّاس كلهم لَا يَجدونَ طولا إِلَى النِّسَاء، وَرُبمَا خَافُوا الْعَنَت بِعقد النِّكَاح، فعوضهم مِنْهُ مَا يدافعون بِهِ سُورَة شهواتهم وَهُوَ الصّيام، فَإِنَّهُ وَجَاء، وَهُوَ مقطع للانتشار وحركة الْعُرُوق الَّتِي تتحرك عِنْد شَهْوَة الْجِمَاع.

١١ - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رَأيْتُمُ الهِلَالَ فَصُومُوا وإذَا رأيْتُمُوهُ فأفْطِرُوا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. . إِلَى آخِره. وَهَذِه التَّرْجَمَة هِيَ بِعَينهَا لفظ حَدِيث مُسلم حَيْثُ قَالَ: حَدثنَا يحيى بن يحيى، قَالَ: أخبرنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن شهَاب عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا رَأَيْتُمْ الْهلَال فصوموا، وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم فصوموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا) ، وَلَيْسَ فِي أَحَادِيث الْبَاب مثل عين التَّرْجَمَة، وَإِنَّمَا الْمَذْكُور مَا يُقَارب التَّرْجَمَة من حَيْثُ اللَّفْظ، وَمَا هُوَ عينهَا من حَيْثُ الْمَعْنى على مَا نبينه عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

وَقَالَ صِلَةْ عنْ عَمَّارٍ منْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أبَا الْقَاسِمِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن مُقْتَضى مَعْنَاهَا أَن لَا يصام يَوْم الشَّك، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علق الصَّوْم بِرُؤْيَة الْهلَال وَهُوَ هِلَال رَمَضَان، فَلَا يصام الْيَوْم الَّذِي هُوَ آخر شعْبَان إِذا شكّ فِيهِ، هَل هُوَ من شعْبَان أَو رَمَضَان؟ وصلَة، بِكَسْر الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح اللَّام المخففة على وزن: عدَّة، وَقَالَ بَعضهم: على وزن عمر وَلَيْسَ بِصَحِيح، وَهُوَ ابْن زفر، بِضَم الزَّاي وَفتح الْفَاء المخففة وَفِي آخِره رَاء: الْعَبْسِي الْكُوفِي، يكنى أَبَا بكر، وَيُقَال: أَبَا الْعَلَاء، قَالَ الْوَاقِدِيّ: توفّي فِي زمن مُصعب بن الزبير وَهُوَ من كبار التَّابِعين وفضلائهم، وَزعم ابْن حزم أَنه: صلَة بن أَشْيَم، وَهُوَ وهم مِنْهُ، وَقد صرح بِأَنَّهُ صلَة بن زفر جَمِيع من روى هَذَا. وعمار هُوَ ابْن يَاسر الْعَبْسِي أَبُو الْيَقظَان، قتل بصفين.

وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، فَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا عبد الله ابْن سعيد الْأَشَج حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن عَمْرو بن قيس الْملَائي (عَن أبي إِسْحَاق عَن صلَة بن زفر، قَالَ: كُنَّا عِنْد عمار ابْن يَاسر فَأتي بِشَاة مصلية، فَقَالَ: كلوا، فَتنحّى بعض الْقَوْم، فَقَالَ: إِنِّي صَائِم، فَقَالَ عمار: من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن الْأَشَج، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر، وَأخرجه أَيْضا ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ: صَحِيح على شَرطهمَا وَلم يخرجَاهُ.

وَيَوْم الشَّك هُوَ الْيَوْم الَّذِي يتحدث النَّاس فِيهِ بِرُؤْيَة الْهلَال وَلم تثبت رُؤْيَته، أَو شهد وَاحِد فَردَّتْ شَهَادَته، أَو شَاهِدَانِ فاسقان فَردَّتْ شَهَادَتهمَا، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي (الْأَشْرَاف) : قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا بَأْس بِصَوْم يَوْم الشَّك تَطَوّعا، وَهَذَا قَول أهل الْعلم، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَأحمد وَإِسْحَاق، وَمثله عَن مَالك على الْمَشْهُور، وَكَانَت أَسمَاء بنت أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، تصومه. وَذكر القَاضِي أَبُو يعلى: أَن صَوْم يَوْم الشَّك مَذْهَب عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَأنس بن مَالك وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس.

وَقَالَ أَصْحَابنَا: صَوْم يَوْم الشَّك على وُجُوه: الأول: أَن يَنْوِي فِيهِ صَوْم رَمَضَان وَهُوَ مَكْرُوه، وَفِيه خلاف أبي هُرَيْرَة وَعمر وَمُعَاوِيَة وَعَائِشَة وَأَسْمَاء، ثمَّ إِنَّه من رَمَضَان يجْزِيه وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ

<<  <  ج: ص:  >  >>