وَالثَّوْري وَوجه للشَّافِعِيَّة، وَعند الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجْزِيه إلَاّ إِذا أخبرهُ بِهِ من يَثِق بِهِ من عبد أَو امْرَأَة. وَالثَّانِي: أَنه إِن نوى عَن وَاجِب آخر كقضاء رَمَضَان وَالنّذر أَو الْكَفَّارَة وَهُوَ مَكْرُوه أَيْضا إلَاّ أَنه دون الأول فِي الْكَرَاهَة وَإِن ظهر أَنه من شعْبَان قيل: يكون نفلا. وَقيل: يجْزِيه عَن الَّذِي نَوَاه من الْوَاجِب وَهُوَ الْأَصَح، وَفِي (الْمُحِيط) : وَهُوَ الصَّحِيح. وَالثَّالِث: أَن يَنْوِي التَّطَوُّع وَهُوَ غير مَكْرُوه عندنَا، وَبِه قَالَ مَالك. وَفِي (الْأَشْرَاف) : حُكيَ عَن مَالك جَوَاز النَّفْل فِيهِ عَن أهل الْعلم، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَابْن مسلمة وَأحمد وَإِسْحَاق، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : لَا يكره صَوْم يَوْم الشَّك بنية التَّطَوُّع، وَالْأَفْضَل فِي حق الْخَواص صَوْمه بنية التَّطَوُّع بِنَفسِهِ وخاصته، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن أبي يُوسُف، وَفِي حق الْعَوام التَّلَوُّم إِلَى أَن يقرب الزَّوَال، وَفِي (الْمُحِيط) : إِلَى وَقت الزَّوَال، فَإِن ظهر أَنه من رَمَضَان نوى الصَّوْم وإلَاّ أفطر. وَالرَّابِع: أَن يضجع فِي أصل النِّيَّة بِأَن يَنْوِي أَن يَصُوم غَدا إِن كَانَ من رَمَضَان، وَلَا يَصُومهُ إِن كَانَ من شعْبَان، وَفِي هَذَا الْوَجْه لَا يصير صَائِما. وَالْخَامِس: أَن يضجع فِي وصف النِّيَّة بِأَن يَنْوِي إِن كَانَ غَدا من رَمَضَان يَصُوم عَنهُ، وَإِن كَانَ من شعْبَان فَعَن وَاجِب آخر فَهُوَ مَكْرُوه. وَالسَّادِس: أَن يَنْوِي عَن رَمَضَان إِن كَانَ غَدا مِنْهُ، وَعَن التَّطَوُّع إِن كَانَ من شعْبَان يكره.
قَوْله: (من صَامَ يَوْم الشَّك) ، وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة وَغَيره: (من صَامَ الْيَوْم الَّذِي يشك فِيهِ) ، قَالَ الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا أَتَى بالموصول وَلم يقل: يَوْم الشَّك، مُبَالغَة فِي أَن صَوْم يَوْم فِيهِ أدنى شكّ سَبَب الْعِصْيَان، فَكيف من صَامَ يَوْمًا الشكُّ فِيهِ قَائِم؟ قَوْله: (فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) ، اسْتدلَّ بِهِ على تَحْرِيم صَوْم يَوْم الشَّك، لِأَن الصَّحَابِيّ لَا يَقُول ذَلِك من قبل رَأْيه، فَيكون من قبيل الْمَرْفُوع، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: هُوَ مُسْند عِنْدهم لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك، وَخَالفهُ الْجَوْهَرِي الْمَالِكِي، فَقَالَ: هُوَ مَوْقُوف، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ موقف لفظا مَرْفُوع حكما، وَإِنَّمَا قَالَ: أَبَا الْقَاسِم، بتخصيص هَذِه الكنية للْإِشَارَة إِلَى أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ الَّذِي يقسم بَين عباد الله حكم الله بِحَسب قدرهم واقتدارهم.
٦٠٩١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بن عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذكَرَ رمَضَانَ فَقَالَ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الهِلَالَ ولَا تُفْطرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فاقْدُرُوا لَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى لفظ التَّرْجَمَة يؤول إِلَى معني هَذَا الحَدِيث، وحاصلهما سَوَاء، وَقد مضى فِي: بَاب هَل يُقَال رَمَضَان أَو شهر رَمَضَان؟ مَا رَوَاهُ من حَدِيث سَالم عَن ابْن عمر، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (إِذا رَأَيْتُمُوهُ فصوموا وَإِذا رَأَيْتُمُوهُ فأفطروا، فَإِن غم عَلَيْكُم فاقدروا لَهُ) . وَقد اسْتَوْفَيْنَا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ، وَفِي الْحَدِيثين كليهمَا. (فاقدروا لَهُ) ، وَجَاء من وَجه آخر عَن نَافِع: (فاقدروا ثَلَاثِينَ) ، وَهَكَذَا أخرجه مُسلم من طَرِيق عبيد الله بن عمر عَن نَافِع، وَكَذَا أخرجه عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع، قَالَ عبد الرَّزَّاق: وَأخْبرنَا عبد الْعَزِيز بن أبي رواد عَن نَافِع بِهِ، فَقَالَ: (فعدوا ثَلَاثِينَ) .
٨٠٩١ - حدَّثنا أبُو الوَليدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ جَبَلَةَ بنِ سُحَيْمٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّهْرُ هكذَا وهَكَذَا وخَنَسَ الإبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى التَّرْجَمَة يدل على أَن الصَّوْم إِنَّمَا يجب بِرُؤْيَة الْهلَال، والهلال تَارَة يكون تسعا وَعشْرين يَوْمًا، فَهَذَا الحَدِيث يبين ذَلِك، وَأَبُو الْوَلِيد هُوَ هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ. وجبلة، بِالْجِيم وَالْبَاء الْمُوَحدَة وَاللَّام المفتوحات: ابْن سحيم تَصْغِير السحم بالمهملتين الْكُوفِي، يكنى بِأبي سويرة مصغر سارة مَاتَ زمن الْوَلِيد بن يزِيد.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الطَّلَاق عَن آدم، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى عَن خَالِد بن الْحَارِث، الْكل عَن شعبه بِهِ.
قَوْله: (الشَّهْر) ، أَي: الَّذِي نَحن فِيهِ أَو جنس الشَّهْر. قَوْله: (هَكَذَا وَهَكَذَا) ، أَشَارَ بيدَيْهِ الكريمتين ناشرا أَصَابِعه مرَّتَيْنِ، فَهَذِهِ عشرُون. قَوْله: (وخنس الْإِبْهَام فِي الثَّالِثَة)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute