للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللِّحْيَة واسْمه الْحصين بن بدر، وَإِنَّمَا سمى الزبْرِقَان لحسنه شبه بالقمر، وَقد ذكرنَا خطْبَة الزبْرِقَان فِي كتاب النِّكَاح وَمَا جرى لَهُ مَعَ عَمْرو بن الْأَهْتَم. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي تَأْوِيل الحَدِيث الْمَذْكُور، فَقَالَ قوم من أَصْحَاب مَالك: إِنَّه خرج على الذَّم للْبَيَان، وَلِهَذَا مَالك أدخلهُ فِي: بَاب مَا يكره من الْكَلَام، وَقَالُوا: إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شبه الْبَيَان بِالسحرِ وَالسحر مَذْمُوم محرم قَلِيله وَكَثِيره، وَذَلِكَ لما فِي الْبَيَان من التفيهق وتصوير الْبَاطِل فِي صُورَة الْحق، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أبغضكم إِلَيّ الثرثارون المتفيهقون، وَيُقَال: الرجل يكون على الْحق فيسحر الْقَوْم ببيانه فَيذْهب بِالْحَقِّ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَلَام خرج على مدح الْبَيَان، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بقوله فِي الحَدِيث. فَعجب النَّاس لبيانهما، قَالُوا. والإعجاب لَا يكون إلَاّ بِمَا يحسن ويطيب سَمَاعه، قَالُوا: وتشبيهه بِالسحرِ مدح لِأَن معنى السحر الاستمالة، وكل من استمالك فقد سحرك، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمِين النَّاس بِفضل البلاغة لبلاغته فأعجبه ذَلِك القَوْل وَاسْتَحْسنهُ، فَلذَلِك شبهه بِالسحرِ. وَيُقَال: أحسن مَا يُقَال فِي هَذَا الحَدِيث إِنَّه لَيْسَ بذم للْبَيَان كُله وَلَا بمدح لَهُ كُله، أَلا ترى أَن فِيهِ كلمة من للتَّبْعِيض؟ وَقد شكّ الْمُحدث أَنه قَالَ: إِن من الْبَيَان أَو: إِن من بعض الْبَيَان، وَكَيف يذم الْبَيَان كُله وَقد عده نعْمَة على عبيده؟ فَقَالَ: {خلق الْإِنْسَان علمه الْبَيَان} (الرَّحْمَن: ٣ ٤) قَوْله: (من الْمشرق) أَرَادَ بِهِ النجد لِأَنَّهُ فِي شَرق الْمَدِينَة، وَهِي سُكْنى بني تَمِيم من جِهَة الْعرَاق. قَوْله: (سحرًا) أَي: هُوَ شَبيه بِالسحرِ فِي جلب الْعُقُول من حَيْثُ إِنَّه خارق للْعَادَة.

٥٢ - (بابُ الدَّوَاءِ بالعَجُوَةِ لِلسِّحْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّدَاوِي بالعجوة لأجل السحر، أَي: لأجل دَفعه وتبطيله، والعجوة نوع من أَجود التَّمْر بِالْمَدِينَةِ. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ من وسط التَّمْر، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ أكبر من التَّمْر الصيحاني يضْرب إِلَى السوَاد، وَهُوَ مِمَّا غرسه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيد فِي الْمَدِينَة.

٥٧٦٨ - حدّثنا عَليٌّ حدّثَنا مَرْوَانُ أخبرنَا هاشِمٌ أخبرَنا عامِرُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَنِ اصْطَبَحَ كلَّ يَوْمٍ تَمَرَاتٍ عَجُوَةٍ لَمْ يضُرَّهُ سُمُّ وَلَا سِحْرٌ ذَلِكَ اليَوْمَ إِلَى الليْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: سَبْعَ تَمَرَاتٍ.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَعلي هُوَ ابْن عبد الله بن الْمَدِينِيّ فِيمَا ذكره أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) والمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي بعض النّسخ: عَليّ بن سَلمَة، بِفَتْح اللَّام اللبقى بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمَفْتُوحَة وبالقاف، وَقَالَ بَعضهم: مَا عرفت سلفه فِيهِ. قلت: مَقْصُوده التشنيع على الْكرْمَانِي بِغَيْر وَجه لِأَنَّهُ مَا ادّعى فِيهِ جزما أَنه عَليّ بن سَلمَة، وَإِنَّمَا نَقله عَن نُسْخَة هَكَذَا، وَلَو لم تكن النُّسْخَة مُعْتَبرَة لما نَقله مِنْهَا، ومروان هُوَ ابْن مُعَاوِيَة الْفَزارِيّ، وهَاشِم هُوَ ابْن هَاشم بن عتبَة بن أبي وَقاص يرْوى عَن ابْن عمر عَن أَبِيه عَامر بن سعد بن أبي وَقاص أحد الْعشْرَة.

والْحَدِيث قد مضى فِي كتاب الْأَطْعِمَة فِي: بَاب الْعَجْوَة. قَوْله: (من اصطبح) فِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: من تصبح، وَكَذَا فِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة فِي الْأَطْعِمَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث ابْن عَمْرو كِلَاهُمَا بِمَعْنى التَّنَاوُل صباحاً، وأصل الصبوح والاصطباح تنَاول الشَّرَاب صبحاً ثمَّ اسْتعْمل فِي الْأكل ومقابلة الصبوح الغبوق والاغتباق، وَحَاصِل معنى قَوْله: (من اصطبح) أَي: من أكل فِي الصَّباح (كل يَوْم تمرات) لم يذكر الْعدَد فِي رِوَايَة عَليّ الْمَذْكُور شيخ البُخَارِيّ، وَوَقع فِي غير هَذِه الرِّوَايَة مُقَيّدا بِسبع تمرات على مَا يَجِيء. قَوْله: (تمرات) مَنْصُوب بقوله: (اصطبح) قَوْله: (عَجْوَة) يجوز فِيهِ الْإِضَافَة بِأَن يكون تمرات مُضَافَة إِلَى الْعَجْوَة كَمَا فِي قَوْلك: ثِيَاب خزو وَيجوز فِيهَا التَّنْوِين على أَنه عطف بَيَان أَو صفة لتمرات، وَقَالَ بَعضهم: يجوز النصب منوناً على تَقْدِير فعل أَو على التَّمْيِيز. قلت: فِيهِ تَأمل لَا يخفى. قَوْله: (سم) بِتَثْلِيث السِّين فِيهِ. قَوْله: (ذَلِك الْيَوْم) أَي: فِي ذَلِك الْيَوْم. قَوْله: (وَقَالَ غَيره) أَي: غير عَليّ شيخ البُخَارِيّ: (سبع تمرات) بِزِيَادَة لَفْظَة سبع.

ثمَّ الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع.

الأول: قيد بقوله: اصطبح، لِأَن المُرَاد تنَاوله بكرَة النَّهَار حَتَّى إِذا تعشى بتمرات لَا تحصل الْفَائِدَة الْمَذْكُورَة، هَذَا تَقْيِيد بِالزَّمَانِ، وَجَاء فِي رِوَايَة أبي ضَمرَة التَّقْيِيد بِالْمَكَانِ أَيْضا، وَلَفظه: من تصبح

<<  <  ج: ص:  >  >>