للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من الإطاقة أَن يطَأ فِي لَيْلَة مائَة امْرَأَة ينزل فِي كل وَاحِدَة مِنْهُنَّ مَاء، وَلَيْسَ فِي الْأَخْبَار مَا يحفظ فِيهِ صَرِيحًا غير هَذَا، إلَاّ مَا ثَبت عَن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنه أعطي قُوَّة ثَلَاثِينَ رجلا فِي الْجِمَاع. وَفِي (الطَّبَقَات) : أَرْبَعِينَ. وَقَالَ مُجَاهِد: أعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا، كل رجل من أهل الْجنَّة. وَهِي قُوَّة أَكثر من قُوَّة سُلَيْمَان، عَلَيْهِ السَّلَام، وَكَانَ إِذا صلى الْغَدَاة دخل على نِسَائِهِ فَطَافَ عَلَيْهِنَّ بِغسْل وَاحِد، ثمَّ يبيت عِنْد الَّتِي هِيَ لَيْلَتهَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَادِرًا على تَوْفِيَة حُقُوق الْأزْوَاج، وَلَيْسَ يقدر على ذَلِك غَيره مَعَ قلَّة الْأكل. فَإِن قلت: قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: يدْخل على كل نِسَائِهِ فيدنو من كل امْرَأَة مِنْهُنَّ يقبل ويلتمس من غير مَسِيس وَلَا مُبَاشرَة، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن أبي الزِّنَاد عَن هِشَام عَن أَبِيه. قلت: هَذَا ضَعِيف، وَسمعت بعض الْمَشَايِخ الْكِبَار الثِّقَات: أَن كل نَبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم السَّلَام، أعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ رجلا، وَنَبِينَا، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أعطي قُوَّة أَرْبَعِينَ نَبيا فَيكون لَهُ قُوَّة ألف وسِتمِائَة رجل، فَاعْتبر من هَذَا صبره وزهده كَيفَ قنع بتسع نسْوَة. وَفِيه: أَنه لَو قَالَ: إِن شَاءَ الله، لم يَحْنَث. وَفِيه: دلَالَة على أَنه أقسم على شَيْئَيْنِ: الْوَطْء والولادة، وَفعل الْوَطْء حَقِيقَة وَالِاسْتِيلَاد لم يتم، إِذْ لَو تمّ لم يقل ذَلِك فِيهِ. وَفِيه: أَن هَذَا مَحْمُول على أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُوحِي إِلَيْهِ بذلك، وَهَذَا من خَصَائِص نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي اطِّلَاعه على أَخْبَار الْأَنْبِيَاء السالفة والأمم. وَفِيه: دلَالَة على جَوَاز قَوْله: لَو وَلَوْلَا، بعد وُقُوع الْمَقْدُور، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن كثير من ذَلِك، وَفِي كَلَام الصَّحَابَة وَالسَّلَف، وَسَيَأْتِي تَرْجَمَة البُخَارِيّ: هَذَا بَاب مَا يجوز من اللو، وَأما النَّهْي عَن ذَلِك، وَأَنَّهَا تفتح عمل الشَّيْطَان فَمَحْمُول على من يَقُول ذَلِك مُعْتَمدًا على الْأَسْبَاب معرضًا عَن الْمَقْدُور أَو متضجراً مِنْهُ. وَفِيه: أَنه، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، نبه هُنَا على آفَة التَّمَنِّي والإعراض عَن التقويض وَالتَّسْلِيم، وَمن آفته نِسْيَان سُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، الِاسْتِثْنَاء لَا يكون إلَاّ بِاللَّفْظِ، وَلَا يَكْفِي فِيهِ النِّيَّة، وَهُوَ قَول الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَالْعُلَمَاء كَافَّة، وَادّعى بَعضهم أَن قِيَاس قَول مَالك: إِن الْيَمين تَنْعَقِد بِالنِّيَّةِ وَيصِح الِاسْتِثْنَاء بهَا من غير لفظ وَمنع ذَلِك. وَفِيه: جَوَاز الْإِخْبَار عَن الشَّيْء ووقوعه فِي الْمُسْتَقْبل بِنَاء على الظَّن، فَإِن هَذَا الْإِخْبَار رَاجع إِلَى ذَلِك. وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: أجَاز أَصْحَابنَا الْحلف على الظَّن الْمَاضِي، وَقَالُوا: يجوز أَن يحلف على خطّ مُوَرِثه إِذا وثق بِخَطِّهِ وأمانته، وجوزوا الْعَمَل بِهِ واعتماده. وَفِيه: اسْتِحْبَاب التَّعْبِير بِاللَّفْظِ الْحسن عَن غَيره، فَإِنَّهُ عبر عَن الْجِمَاع بِالطّوافِ، نعم، لَو دعت ضَرُورَة شَرْعِيَّة إِلَى التَّصْرِيح بِهِ لم يعدل عَنهُ. فَإِن قلت: من أَيْن لِسُلَيْمَان، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، أَن الله تَعَالَى يخلق من مائَة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة مائَة غُلَام؟ لَا جَائِز أَن يكون بِوَحْي، لِأَنَّهُ مَا وَقع وَلَا أَن يكون الْأَمر فِي ذَلِك إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَا يكون إلَاّ مَا يُرِيد. قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: إِنَّه من جنس التَّمَنِّي على الله وَالسُّؤَال لَهُ، عز وَجل، أَن يفعل، وَالْقسم عَلَيْهِ كَقَوْل أنس بن النَّضر: وَالله لَا تكسر ثنية الرّبيع، قيل: قَول أنس لَيْسَ بتمنٍ، ألَا تَرَى أَن الشَّارِع سَمَّاهُ قسما، فَقَالَ: (إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره) ، فَسَماهُ قسما وَلم يسمه تمنياً.

٤٢ - (بابُ الشَّجَاعَةِ فِي الحَرْبِ والجبْنِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مدح الشجَاعَة فِي الْحَرْب، وَفِي بَيَان ذمّ الْجُبْن فِيهِ، وَهُوَ بِضَم الْجِيم وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة، وَفِي آخِره نون: الْخَوْف، وَأما الْجُبْن الَّذِي يُؤْكَل فَهُوَ بتَشْديد النُّون.

٠٢٨٢ - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ واقِدٍ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ ثابِتٍ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحْسَنَ النَّاسِ وأشْجَعَ النَّاسِ وأجْوَدَ النَّاسِ ولَقَدْ فَزِعَ أهْلُ المَدِينَةِ فكانَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَبَقَهُمْ عَلى فَرَسٍ وَقَالَ وجَدْنَاهُ بَحْرَاً..

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَشْجَع النَّاس) أَي: فِي الْحَرْب، وَفسّر ذَلِك بقوله: وَلَقَد فزع أهل الْمَدِينَة ... إِلَى آخِره. وَأحمد بن عبد الْملك بن وَاقد، بِالْقَافِ وبالدال الْمُهْملَة: الْحَرَّانِي، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء وبالنون. مر فِي كتاب الصَّلَاة فِي: بَاب الخدم لِلْمَسْجِدِ، إلَاّ أَنه نسبه ثمَّة إِلَى جده.

والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وقتيبة فرقهما فِي الْجِهَاد، وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب عَن عَمْرو بن مَيْمُون. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن يحيى بن يحيى وَسَعِيد وَابْن مَنْصُور وَأبي الرّبيع وَأبي كَامِل. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الْجِهَاد عَن قُتَيْبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي السّير عَن قُتَيْبَة وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن أبي صَالح مُحَمَّد بن زنبور الْمَكِّيّ، وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الْجِهَاد عَن أَحْمد بن عَبدة الضَّبِّيّ.

قَوْله: (فزع) ، بِكَسْر الزَّاي، يُقَال: فزع يفزع فَزعًا. أَي: خَافَ أهل الْمَدِينَة، وَفِي رِوَايَة لَيْلًا. قَوْله: (سبقهمْ على فرس) يُقَال لَهُ مَنْدُوب، كَانَ لأبي طَلْحَة على مَا يَأْتِي بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (وَجَدْنَاهُ بحراً) ، أَي: كالبحر وَاسع الجري.

وَفِيه: اسْتِعْمَال الْمجَاز حَيْثُ شبه الْفرس بالبحر، لِأَن الجري مِنْهُ لَا يَنْقَطِع كَمَا لَا يَنْقَطِع مَاء الْبَحْر، وَأول من تكلم بِهَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: اسْتِعَارَة الدَّوَابّ للحرب وَغَيره، وركوب الدَّابَّة عُريَانا لاستعجال الْحَرَكَة، ثمَّ إِنَّه ذكر فِي الحَدِيث ثَلَاثَة أَشْيَاء من صِفَات النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهِي: الأحسنية والأشجعية والأجودية. قَالَ حكماء الْإِسْلَام: للْإنْسَان قوًى ثَلَاث: الْعَقْلِيَّة والغضبية والشهوية، وَكَمَال الْقُوَّة الغضبية الشجَاعَة، وَكَمَال الْقُوَّة الشهوية الْجُود، وَكَمَال الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة الْحِكْمَة. وَالْأَحْسَن إِشَارَة إِلَيْهِ لِأَن حسن الصُّورَة تَابع لاعتدال المزاج، واعتدال المزاج تَابع لصفاة النَّفس الَّذِي بِهِ جودة القريحة، وَهَذِه الثَّلَاث هِيَ أُمَّهَات الْأَخْلَاق.

١٢٨٢ - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرَنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ ابنِ مُطْعِمٍ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ جُبَيْرِ قَالَ أَخْبرنِي جُبَيْرُ بنُ مُطْعِمٍ أنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَعَهُ النَّاسُ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَهُ النَّاسُ يَسْألُونَهِ حتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطِفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ اعْطُونِي رِدَائي لَوْ كانَ لِي عَدَدُ هاذِهِ العِضَاهِ نَعَماً لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلاً ولَا كَذُوباً وَلَا جَبَاناً.

(الحَدِيث ١٢٨٢ طرفه فِي: ٨٤١٣) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ لَا تجدوني) إِلَى آخِره، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع، وَعمر بن مُحَمَّد بن جُبَير، بِضَم الْجِيم وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن مطعم، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِطْعَام النَّوْفَلِي الْقرشِي، قَالَ الْكرْمَانِي: وَكَثِيرًا يروي

<<  <  ج: ص:  >  >>