قلت: كل هَذَا دوران لطلب شَيْء لَا يظفر بِهِ، وَالْجَوَاب الصَّحِيح أَن من خَصَائِص النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاز الْخلْوَة بالأجنبية وَالنَّظَر إِلَيْهَا كَمَا ذكرنَا فِي قصَّة أم حرَام بنت ملْحَان. فِي دُخُوله عَلَيْهَا، ونومه عِنْدهَا وتفليها رَأسه وَلم يكن بَينهمَا محرمية وَلَا زوجية. وَمِنْهَا: الضَّرْب بالدف فِي الْعرس بِحَضْرَة شَارِع الْملَّة ومبين الْحل من الْحُرْمَة وإعلان النِّكَاح بالدف والغناء الْمُبَاح، فرقا بَينه وَبَين مَا يسْتَتر بِهِ من السفاح. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن منيع حَدثنَا هشيم حَدثنَا أَبُو بلج عَن مُحَمَّد بن حَاطِب الجُمَحِي قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فصل مَا بَين الْحَلَال وَالْحرَام الدُّف وَالصَّوْت، وَقَالَ: حَدِيث حسن وَصَححهُ ابْن حبَان وَالْحَاكِم، وَقَالَ ابْن طَاهِر: ألزم الدَّارَقُطْنِيّ مُسلما إِخْرَاجه: قَالَ وَهُوَ صَحِيح، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بلج: اسْمه يحيى بن أبي سليم وَيُقَال: ابْن سليم أَيْضا. وَمُحَمّد بن حَاطِب قد رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ غُلَام صَغِير. قلت: هَذَا أخرجه النَّسَائِيّ عَن مُجَاهِد بن مُوسَى، وَابْن مَاجَه عَن عَمْرو بن رَافع كِلَاهُمَا عَن هشيم وَأَبُو بلج هَذَا بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون اللَّام وبالجيم، وَقَالَ شيحنا زين الدّين: وَثَّقَهُ يحيى بن معِين وَمُحَمّد بن سعد وَأَبُو حَاتِم وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَأما البُخَارِيّ فَقَالَ: فِيهِ نظر، وَقَالَ شَيخنَا: أَبُو بلج هَذَا هُوَ الْكَبِير، وَأما أَبُو بلج الصَّغِير فاسمه جَارِيَة بن بلج الوَاسِطِيّ، وَذكر ابْن مَاكُولَا ثَالِثا وَهُوَ: أَبُو بلج مولى عُثْمَان بن عَفَّان، رُوِيَ عَن عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَرُوِيَ التِّرْمِذِيّ أَيْضا من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، قَالَت: قَالَ رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم: أعْلنُوا هَذَا النِّكَاح واجعلوه فِي الْمَسَاجِد واضربوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب، وَأخرجه ابْن مَاجَه وَلَيْسَ فِي لَفظه: واجعلوه فِي الْمَسَاجِد، وَقَالَ: واضربوا عَلَيْهِ بالغربال، وَرُوِيَ النَّسَائِيّ من حَدِيث عَامر بن سعد عَن قرظة بن كَعْب وَأبي مَسْعُود، قَالَا: رخص لنا فِي اللَّهْو عِنْد الْعرس، وَرُوِيَ الطَّبَرَانِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد: لَقِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جواري يغنين وَيَقُلْنَ: حيونا نحييكم، قَالَ: لَا تَقولُوا هَكَذَا، وَلَكِن قُولُوا: حيانا وحياكم، فَقَالَ رجل: يَا رَسُول الله ترخص للنَّاس فِي هَذَا {قَالَ: نعم} إِنَّه نِكَاح لَا سفاح. وَرُوِيَ ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة أَنَّهَا أنكحت ذَات قربَة لَهَا من الْأَنْصَار، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. أهديتم الفتاة؟ قَالُوا: نعم قَالَ: أرسلتم مَعهَا من يُغني؟ قَالَت: قلت: لَا فَقَالَ: إِن الْأَنْصَار قوم فيهم غزل، فَلَو بعثتم مَعهَا من يَقُول: أَتَيْنَاكُم أَتَيْنَاكُم فحيانا وحياكم هَذَا حَدِيث ضَعِيف، وَقَالَ أَحْمد: حَدِيث مُنكر، وَمِنْهَا: إقبال الإِمَام والعالم إِلَى الْعرس، وَإِن كَانَ لَهو وَلعب مُبَاح فَإِنَّهُ يُورث الألفة والانشراح، وَلَيْسَ الِامْتِنَاع من ذَلِك من الْحيَاء الممدوح، بل فعله هُوَ الممدوح الْمَشْرُوع. وَمِنْهَا: جَوَاز مدح الرجل فِي وَجهه بِمَا فِيهِ، وَالْمَكْرُوه من ذَلِك مدحه بِمَا لَيْسَ فِيهِ.
٩٤ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (٤) وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: ٤) وكَثْرَةِ المَهْرِ وأدْنَى مَا يَجُوزُ مِنَ الصَّدَاقِ وقَوْلهِ تَعَالَى: { (٤) وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا} (النِّسَاء: ٠٢) وقَوْلهِ جَلَّ ذِكْرُهُ { (٢) أَو تفرضوا لَهُنَّ} (الْبَقَرَة: ٦٣٢)
وَقَالَ سَهْلٌ: قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ولوْ خاتَما مِنْ حَدِيدٍ.
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يدل عَلَيْهِ قَوْله الله: {وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة} (النِّسَاء: ٤) أَي: أعْطوا النِّسَاء مهورهن وَكَأن البُخَارِيّ أَشَارَ بِهَذَا وَبِمَا ذكر بعده أَن الْمهْر لَا يقدر أَقَله، وَسَيَجِيءُ الْكَلَام فِيهِ مفصلا. وَالصَّدقَات جمع صَدَقَة بِفَتْح الصَّاد وَضم الدَّال. وَهُوَ مهر الْمَرْأَة، وقرىء: صدقاتهن، بِفَتْح الصَّاد وَسُكُون الدَّال وصدقاتهن بِضَم الصَّاد وَسُكُون الدَّال وصدقاتهن بِضَم الصَّاد وَضم الدَّال قَوْله: {نحلة} (النِّسَاء: ٤) مَنْصُوب على الْمصدر لِأَن النحلة والإيتاء بِمَعْنى الْإِعْطَاء؛ وَالتَّقْدِير: نحلوهن مهورهن نحلة، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على الْحَال من المخاطبين أَي: آتوهن مهورهن ناحلين طيبي النُّفُوس بالإعطاء، وَيجوز أَن يكون حَالا من الصَّدقَات، وَيكون معنى: نحلة، مِلَّة يُقَال: نحلة الْإِسْلَام خير النَّحْل، وَيكون التَّقْدِير: وآتو النِّسَاء صدقاتهن منحولة معطاة، وَيجوز أَن يكون مَنْصُوبًا على التَّعْلِيل أَي: آتوهن صدقاتهن للنحلة والديانة. قَوْله: (وَكَثْرَة الْمهْر) بِالْجَرِّ عطفا على: قَول الله تَعَالَى، أَي: فِي بَيَان كَثْرَة الْمهْر، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى جَوَاز كَثْرَة الْمهْر فلأجل ذَلِك ذكر قَوْله تَعَالَى: {وَآتَيْتُم
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute