صَعِدْتُ إلَى أبِي رافِعٍ فِي سُلَّمٍ فإذَا البَيْتُ مُظْلِمٌ قدْ طُفِىءَ سِرَاجُهُ فلَمْ أدْرِ أيْنَ الرَّجُلُ فقُلْتُ يَا أبَا رَافعٍ قَالَ مَنْ هاذَا قَالَ فعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فأضْرِبُهُ وصَاحَ فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً قَالَ ثُمَّ جِئْتُ كأنِّي أُغِيثُهُ فقُلْتُ مالَكَ يَا أبَا رَافِعٍ وغيَّرْتُ صَوْتي فَقال ألَا أُعْجِبَكَ لاُِمِّكَ الوَيْلُ دخَلَ علَيَّ رَجُلٌ فضَرَبَنِي بالسَّيْفِ قَالَ فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضا فأضْرِبُهُ أخْرَى فلَمْ تُغْنِ شَيْئاً فَصاحَ وقامَ أهْلُهُ قَالَ ثُمَّ جِئْتُ وغيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ الْمُغِيثِ فإذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ فأضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أنْكَفِىءُ علَيْهِ حتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ العَظْمِ ثُمَّ خَرَجْتُ دَهِشَاً حتَّى أتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أنْ أنْزِلَ فأسْقُطُ مِنْهُ فانْخَلَعَتْ رِجْلِي فعَصَبْتُهَا ثُمَّ أتَيْتُ أصْحَابي أحْجُلُ فقُلْتُ لَهُمْ انْطَلِقُوا فبَشِّرُوا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فإنِّي لَا أبْرَحُ حتَّى أسْمَعَ النَّاعِيَةَ فلَمَّا كانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقال أنْعَى أبَا رَافعٍ قَالَ فقُمْتُ أمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ فأدْرَكْتُ أصْحَابِي قبْلَ أنْ يَأتُوا النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فبَشَّرْتُهُمْ. .
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث الْبَراء، أخرجه عَن أَحْمد بن عُثْمَان بن حَكِيم أَبُو عبد الله الْكُوفِي عَن شُرَيْح، بِضَم الشين الْمُعْجَمَة ابْن مسلمة الْكُوفِي عَن إِبْرَاهِيم بن يُوسُف بن إِسْحَاق بن أبي إِسْحَاق وَإِبْرَاهِيم هَذَا يروي عَن أَبِيه يُوسُف، ويوسف يروي عَن جده أبي إِسْحَاق عَمْرو السبيعِي عَن الْبَراء بن عَازِب، وَرِجَال هَذَا الأسناد كلهم كوفيون.
قَوْله: (وَعبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (بقبس) ، أَي: شعلة من النَّار. قَوْله: (فَلَمَّا هدأت الْأَصْوَات) كَذَا هُوَ بِالْهَمْزَةِ، وَذكر ابْن التِّين بِغَيْر همز، ثمَّ قَالَ: وَصَوَابه الْهَمْز، أَي: سكنت ونام النَّاس. قَوْله: (فأضربه) ، ذكر بِلَفْظ الْمُضَارع مُبَالغَة لاستحضار صُورَة الْحَال وَإِن كَانَ ذَلِك قد مضى. قَوْله: (فَلم تغنِ) أَي: لم تَنْفَع شَيْئا. قَوْله: (أغيثه) ، بِضَم الْهمزَة من الإغاثة. قَوْله: (وَقَامَ أَهله) ، وَفِي رِوَايَة ابْن إِسْحَاق: فصاحت امْرَأَته فنوهت بِنَا فَجعلنَا نرفع السَّيْف عَلَيْهَا، ثمَّ نذْكر نهي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، عَن قتل النِّسَاء فنكف عَنْهَا. قَوْله: (ثمَّ أنكفىء) أَي: أنقلب عَلَيْهِ. قَوْله: (فانخلعت رجْلي) وَفِي الرِّوَايَة الْمُتَقَدّمَة: فَانْكَسَرت، والتلفيق بَينهمَا بِأَن يُقَال: إنَّهُمَا وَقعا، أَو أَرَادَ من كل مِنْهُمَا مُجَرّد اختلال الرجل. قَوْله: (أحجل) بِالْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ الْجِيم: من الحجلان، وَهُوَ مشي الْمُقَيد كَمَا يحجل الْبَعِير على ثَلَاث، والغلام على رجل وَاحِدَة. قَوْله: (مَا بِي قلبة) بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام أَي: تقلب، واضطرب من جِهَة الرجل. فَإِن قلت: سبق أَنه قَالَ: فمسحها، فَكَأَنَّهَا لم أشتكها. قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا، إِذْ لَا يلْزم من عدم التقلب عودهَا إِلَى حالتها الأولى وَعدم بَقَاء الْأَثر فِيهَا.
١٧ - (بابُ غَزْوَةِ أُحُدٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان غَزْوَة أحد، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي ذَر لَفْظَة: بَاب، وَكَانَت غَزْوَة أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث يَوْم السبت لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت مِنْهُ عِنْد ابْن عَائِذ، وَعند ابْن سعد: لسبع لَيَال خلون مِنْهُ على رَأس اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شهرا من الْهِجْرَة، وَقَالَ إِسْحَاق: لِلنِّصْفِ مِنْهُ، وَعند الْبَيْهَقِيّ عَن مَالك: كَانَت بدر لسنة وَنصف من الْهِجْرَة، وَأحد بعْدهَا بِسنة، وَفِي رِوَايَة: كَانَت على أحد وَثَلَاثِينَ شهرا، وَأحد جبل من جبال الْمَدِينَة على أثل من فَرسَخ مِنْهَا، سمي أحد لتوحده وانقطاعه عَن جبال أخر هُنَاكَ، وَقَالَ السُّهيْلي: وَفِيه قبر هَارُون بن عمرَان، وَبِه قبض. وَكَانَ هُوَ وَأَخُوهُ مُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، مرا بِهِ حاجين أَو معتمرين، وَفِي الْآثَار المسندة: أَنه يَوْم الْقِيَامَة عِنْد بَاب الْجنَّة من داخلها، وَفِي بَعْضهَا: أَنه ركن لبابها، ذكره ابْن سَلام فِي (تَفْسِيره) وَفِي (الْمسند) من حَدِيث أبي عِيسَى بن جُبَير مَرْفُوعا: أحد جبل يحبنا ونحبه، وَكَانَ على بَاب الْجنَّة، وَقَالَ السُّهيْلي: وَيُقَال لأحد ذُو عينين، وعينان تَثْنِيَة عين، جبل بِأحد وَهُوَ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ إِبْلِيس، عَلَيْهِ اللَّعْنَة، وَيَوْم أحد، وَقَالَ: إِن سيدنَا رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قد قتل، وَبِه أَقَامَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرُّمَاة يَوْم أحد.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute