للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقَوْلِ الله عزَّ وجَلَّ {وإذْ غَدَوْتَ مِنْ أهْلِكَ تُبَوِّىءُ المُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتَالِ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (آل عمرَان: ١٢١) . وقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَلَا تَهِنُوا ولَا تَحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلُونَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فقَدْ مَسَّ القَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ولِيَعْلَمَ الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ولِيُمَحِّصَ الله الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكَافِرِينَ أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ ولَمَّا يَعْلَمَ الله الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ويَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ مِنْ قَبْلِ أنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأيْتُمُوهُ وأنْتُمْ تَنْظُرُونَ} (آل عمرَان: ١٣٩، ١٤٣) . وقَوْلِهِ {ولَقَدْ صدَقَكُمُ الله وعْدَهُ إذْ تَحُسُّونَهُمْ تَسْتَأصِلُونَهُمْ قَتْلاً بإذْنِهِ حَتَّى إذَا فَشِلْتُمْ وتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ومِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ولَقَدْ عفَا عَنْكُمْ وَالله ذُو فَضْلٍ علَى الْمُؤْمِنينَ} (آل عمرَان: ١٥٢) . وقَوْلِهِ تعَالَى {ولَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أمْوَاتَاً} (١٦٩) . الْآيَة.

هَذِه الْآيَات كلهَا فِي سُورَة آل عمرَان، وَكلهَا تتَعَلَّق بوقعة أحد، وَقَالَ إِبْنِ إِسْحَاق: أنزل الله فِي شَأْن أحد سِتِّينَ آي من آل عمرَان، وروى ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق الْمسور بن مخرمَة، قَالَ: قلت لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَخْبرنِي عَن قصتكم يَوْم أحد قَالَ: إقرأ الْعشْرين وَمِائَة من آل عمرَان تجدها: {وَإِذا غَدَوْت من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان: ١٢١) . إِلَى قَوْله: {أَمَنَة نعاساً} (آل عمرَان: ١٥٤) .

قَوْله: (وَقَول الله عز وَجل) ، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: غَزْوَة أحد. قَوْله: (وَإِذ غَدَوْت) تَقْدِيره: أذكر يَا مُحَمَّد حِين غَدَوْت، أَي حِين خرجت أول النَّهَار من حجرَة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَاخْتلف فِي هَذَا الْيَوْم الَّذِي عَنى الله بِهِ؟ فَعِنْدَ الْجُمْهُور: المُرَاد بِهِ يَوْم أحد، قَالَه ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَقَتَادَة وَالسُّديّ وَغير وَاحِد، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ: المُرَاد بذلك يَوْم الْأَحْزَاب، رَوَاهُ ابْن جرير وَهُوَ غَرِيب لَا يعول عَلَيْهِ، وَقيل: يَوْم بدر، وَهُوَ أَيْضا لَا يعول عَلَيْهِ، وَكَانَت وقْعَة أحد يَوْم السبت من شَوَّال سنة ثَلَاث من الْهِجْرَة، وَقَالَ قَتَادَة: لإحدى عشرَة لَيْلَة خلت من شَوَّال، وَقَالَ عِكْرِمَة: يَوْم السبت النّصْف من شَوَّال، وَقَالَ ابْن إِسْحَاق: وَكَانَت إِقَامَة رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد قدومه من غَزْوَة الْفَرْع من نَجْرَان جُمَادَى الْآخِرَة ورجباً وَشَعْبَان وَشهر رَمَضَان، وغزوة قُرَيْش وغزوة أحد فِي شَوَّال سنة ثَلَاث، وَقَالَ البلاذري: لتسْع خلون من شَوَّال، وَقَالَ مَالك: كَانَت الْوَقْعَة أول النَّهَار وَهِي الَّتِي أنزل الله فِيهَا: {وَإِذ غَدَوْت من أهلك تبوىء الْمُؤمنِينَ مقاعد لِلْقِتَالِ} (آل عمرَان: ١٢١) . الْآيَات. قَوْله: (تبوىء الْمُؤمنِينَ) أَي: تنزلهم (مقاعد) أَي: منَازِل، وتجعلهم ميمنة وميسرة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مقاعد أَي مَوَاطِن ومواقف، وقرىء: مقاعداً، بِالتَّنْوِينِ. قَوْله: (لِلْقِتَالِ) أَي: لأجل الْقِتَال مَعَ الْمُشْركين من قُرَيْش وَغَيرهم، وَكَانُوا قَرِيبا من ثَلَاثَة آلَاف ونزلوا قَرِيبا من أحد تِلْقَاء الْمَدِينَة، وَكَانَ قائدهم أَبَا سُفْيَان وَمَعَهُ زَوجته هِنْد بنت عتبَة بن ربيعَة، وَكَانَ خَالِد بن الْوَلِيد على ميمنة خيلهم، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل على ميسرتهم، وَقَالَ ابْن سعد: وَجعلُوا على الْخَيل صَفْوَان بن أُميَّة، وَقيل: عَمْرو بن الْعَاصِ، وعَلى الرُّمَاة عبد الله بن أبي ربيعَة، وَكَانُوا مائَة وَفِيهِمْ سَبْعمِائة ذِرَاع، والظعن خَمْسَة عشر، وَقَالَ ابْن هِشَام: لما خرج رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم والمسلمون يَوْم أحد اسْتعْمل على الْمَدِينَة ابْن أم مَكْتُوم على الصَّلَاة بِالنَّاسِ، وَقَالَ مُوسَى بن عقبَة: كَانُوا ألف رجل، فَلَمَّا نزل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأحد رَجَعَ عَنهُ عبد الله بن أبي بن سلول فِي ثَلَاثمِائَة، فَبَقيَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَبْعمِائة، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد أهل الْمَغَازِي قَالَ وَالْمَشْهُور عَن الزُّهْرِيّ أَنهم بقوا فِي أَرْبَعمِائَة مقَاتل وَلم يكن مَعَهم فرس وَاحِد، وَكَانَ مَعَ الْمُشْركين مائَة فرس. وَقَالَ الْوَاقِدِيّ: وَكَانَ مَعَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فرسَان: فرس لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفرس لأبي بردة، وأمَّر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الرُّمَاة عبد الله بن جُبَير أَخا بني عَمْرو بن عَوْف، وهم خَمْسُونَ رجلا، وَقَالَ: لَا يقاتلن أحد حَتَّى نأمره بِالْقِتَالِ، ثمَّ جرى مَا ذكره أهل السّير. قَوْله: (وَالله سميع عليم) أَي: سميع بِمَا تَقولُونَ، عليم بضمائركم. قَوْله: (وَقَوله جلّ ذكره) ، بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على: قَول الله عز وَجل، قَوْله: (وَلَا تهنوا) أَي:

<<  <  ج: ص:  >  >>