أَخذ التبيع من ثَلَاثِينَ من الْبَقر، وَالْآخر: أَخذ ابْن اللَّبُون من خمس وَعشْرين من الْإِبِل، بدل بنت الْمَخَاض عِنْد عدمهَا. وَأما إِذا كَانَت مَاشِيَة كلهَا ذُكُورا فَيُؤْخَذ الذّكر، وَقيل: إِنَّمَا لَا يُؤْخَذ التيس لِأَنَّهُ مَرْغُوب عَنهُ لنتنه وَفَسَاد لَحْمه، أَو لِأَنَّهُ رُبمَا يقْصد بِهِ الْمَالِك مِنْهُ الفحولة فيتضرر بِإِخْرَاجِهِ. قَوْله: (إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصدق) روى أَبُو عبيد، بِفَتْح الدَّال، وَجُمْهُور الْمُحدثين بِكَسْرِهَا، فعلى الأولى يُرَاد بِهِ الْمُعْطِي وَيكون الِاسْتِثْنَاء مُخْتَصًّا بقوله: (وَلَا تَيْس) لِأَن رب المَال لَيْسَ لَهُ أَن يخرج فِي صدقته ذَات عوار، والتيس وَإِن كَانَ غير مَرْغُوب فِيهِ لنتنه فَإِنَّهُ رُبمَا زَاد على خِيَار الْغنم فِي الْقيمَة لطلب الفحولة، وعَلى الثَّانِي مَعْنَاهُ إلَاّ مَا شَاءَ الْمُصدق مِنْهَا، وَرَأى ذَلِك أَنْفَع للمستحقين فَإِنَّهُ وكيلهم فَلهُ أَن يَأْخُذ مَا شَاءَ، وَيحْتَمل تَخْصِيص ذَلِك إِذا كَانَت الْمَوَاشِي كلهَا مَعِيبَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: هَذَا إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا، وَيحْتَمل أَن يكون مُنْقَطِعًا، وَالْمعْنَى: لَا يخرج الْمُزَكي النَّاقِص والمعيب لَكِن يخرج مَا شَاءَ الْمُصدق من السَّلِيم أَو الْكَامِل. وَفِي (التَّلْوِيح) : قَالَ بَعضهم: الْمُصدق، بتَشْديد الصَّاد وَالدَّال، وَقَالَ أَصله: الْمُتَصَدّق، فأدغمت التَّاء فِي الصَّاد لقرب مخرجهما. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، بل أبدلت التَّاء صادا ثمَّ أدغمت الصَّاد فِي الصَّاد على مَا تَقْتَضِيه الْقَوَاعِد الصرفية.
٥٥٤١ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثني أبِي قَالَ حدَّثني ثُمَامَةُ أنَّ أنسا رَضِي الله تَعَالَى عنهُ حدَّثَهُ أنَّ أبَا بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ كتَبَ لهُ الَّتِي أمَرَ الله رَسولَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إلَاّ مَا شاءَ المُصَدِّقُ..
قد ذكرنَا أَن البُخَارِيّ قطع هَذَا الحَدِيث قطعا، فترجم لكل قِطْعَة مِنْهَا تَرْجَمَة، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد ذكر غير مرّة، وَنَفس لفظ الحَدِيث هُوَ عين التَّرْجَمَة فَلَا مُطَابقَة بَينهمَا أقوى وأنسب من ذَلِك، وَقد فسرنا أَلْفَاظه. وَأما الحكم فِيهِ فعامة الْفُقَهَاء على الْعَمَل بِهِ، فالمأخوذ فِي الصَّدقَات الْعدْل، وَهُوَ مَا بَين خِيَار المَال ودونه، فَإِن كَانَ المَال كُله معيبا يُؤْخَذ الْوسط مِنْهُ، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي أَيْضا. وَعند مَالك: يُكَلف بسليم من الْعَيْب، وَهُوَ مَشْهُور مذهبع، وَيُؤْخَذ فِي الصَّغِيرَة الَّتِي تبلغ سنّ الْجذع، وَعند أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: إِذا كَانَت كلهَا صغَارًا أَو مراضا أَخذ مِنْهَا، ونحا إِلَيْهِ مُحَمَّد بن الحكم والمخزومي والماجشون وَمُحَمّد وَأَبُو يُوسُف، وَقَالَ مطرف: إِن كَانَت عِجَافًا أَو ذَوَات عوار أَو تيوسا أخذنها، وَإِن كَانَت مواحض أَو أكولة أَو سخالاً لم تُؤْخَذ مِنْهَا. وَقَالَ عبد الْملك: يَأْخُذ من ذَلِك كُله إِذا لم تكن فِيهَا جَذَعَة أَو ثنية إلَاّ أَن تكون سخالاً فَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا. وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن: إِن السخال والعجاجيل لَا شَيْء فِيهَا.
وَتَحْقِيق مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي هَذَا الْبَاب مَا قَالَه صَاحب (الْهِدَايَة) : وَلَيْسَ فِي الفصلان والعجاجيل والحملان صَدَقَة، وَهَذَا آخر أَقْوَال أبي حنيفَة، وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن وَالثَّوْري وَالشعْبِيّ وَدَاوُد أَبُو سُلَيْمَان، وَكَانَ يَقُول أَولا: يجب فِيهَا مَا يجب فِي الْكِبَار من الْجذع والتثنية، وَبِه قَالَ زفر وَمَالك وَأَبُو عبيد وَأَبُو بكر من الْحَنَابِلَة، وَفِي (الْمُغنِي) : فِي (الصَّحِيح) : ثمَّ رَجَعَ، وَقَالَ: تجب وَاحِدَة مِنْهَا، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَإِسْحَاق وَيَعْقُوب وَالشَّافِعِيّ فِي (الْجَدِيد) وصححوه، ثمَّ رَجَعَ إِلَى مَا ذَكرْنَاهُ آنِفا. وروى عَن الثَّوْريّ: أَن الْمُصدق يَأْخُذ مُسِنَّة وَيرد على صَاحب المَال فضل مَا بَين المسنة وَالصَّغِيرَة الَّتِي هِيَ فِي مَاشِيَته، وَهُوَ وَجه للحنابلة، وَهنا قَول آخر ضَعِيف جدا لم ينْقل عَن غير الْحَنَابِلَة: أَنه يجب فِي خمس وَعشْرين من الفصلان وَاحِدَة مِنْهَا، وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ مِنْهَا كسن وَاحِدَة مِنْهَا مرَّتَيْنِ، وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين وَاحِدَة سنّهَا مثل سنّ وَاحِدَة مِنْهَا كسن وَاحِدَة مِنْهَا مرَّتَيْنِ، وَفِي سِتّ وَأَرْبَعين وَاحِدَة سنّهَا مثل سنّ وَاحِدَة مِنْهَا ثَلَاث مَرَّات، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ وَاحِدَة مثل سنّهَا أَربع مَرَّات، وَفِي (شرح الْمُهَذّب) للنووي: إِذا كَانَت الْمَاشِيَة صغَارًا أَو وَاحِدَة مِنْهَا فِي سنّ الْفَرْض يجب سنّ الْفَرْض الْمَنْصُوص عَلَيْهِ عِنْد الشَّافِعِي، وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد، فَإِن هَلَكت المسنة بعد الْحول لَا يُؤْخَذ مِنْهَا شَيْء فِي قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد، وَيجْعَل تبعا لَهَا فِي الْوُجُوب والهلاك، فَإِذا هَلَكت بِغَيْر صنع أحد تجْعَل كَأَنَّهَا هَلَكت مَعَ الصغار، وَعند أبي يُوسُف: يجب تِسْعَة وَثَلَاثُونَ جزأ من أَرْبَعِينَ جزأ من حمل هُوَ أفضلهَا، وَيسْقط فضل المسنة، كَأَن الْكل كَانَ حملانا وَهلك مِنْهَا حمل، وَعند زفر: يجب مثلهَا من تَثْنِيَة وسط، وَإِن هَلَكت الصغار وَبقيت المسنة يجب فِيهَا جُزْء من شَاة وسط اتِّفَاقًا. ذكره الوبري.
٠٤ - (بابُ أخْذِ العَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز أَخذ العناق فِي الصَّدَقَة: أَي: الزَّكَاة، والعناق، بِفَتْح الْعين وَتَخْفِيف النُّون: ولد الْمعز إِذا أَتَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute