اشربه مَا كَانَ طرياً قَالَ: إِنِّي طبخت شرابًا، وَفِي نَفسِي مِنْهُ شَيْء، قَالَ: أَكنت شَاربه قبل أَن تطبخه؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَإِن النَّار لَا تحل شَيْئا قد حرم.
{وَقَالَ عُمَرُ: وجَدْتُ مِنْ عُبَيْدِ الله رِيحَ شَرَابٍ وَأَنا سائِلٌ عنْهُ، فإنْ كانَ يُسْكِرُ جَلَدْتُهُ} .
أَي: قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ إِلَى آخِره، وَعبيد الله بِالتَّصْغِيرِ هُوَ ابْن عمر رَضِي الله عَنهُ وَوَصله مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد أَنه أخبرهُ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ خرج عَلَيْهِم فَقَالَ: إِنِّي وجدت من فلَان ريح شراب فَزعم أَنه شرب الطلاء، وَإِنِّي سَائل عَمَّا يشرب فَإِن كَانَ يسكر جلدته، فجلده عمر الْحَد تَاما، وَسَنَده صَحِيح وَفِيه حذف تَقْدِيره: فَسَأَلَ عَنهُ فَوَجَدَهُ يسكر فجلده، وَأخرجه سعيد بن مَنْصُور عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ: سمع السَّائِب بن يزِيد يَقُول: قَامَ عمر رَضِي الله عَنهُ على الْمِنْبَر فَقَالَ: ذكر لي أَن عبيد الله بن عمر وَأَصْحَابه شربوا شرابًا، وَأَنا سَائل عَنهُ، فَإِن كَانَ يسكر جلدته، قَالَ ابْن عُيَيْنَة: فَأَخْبرنِي معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب قَالَ: رَأَيْت عمر يجلدهم. وَاخْتلف فِي جَوَاز الْحَد بِمُجَرَّد وجدان الرّيح، وَالأَصَح لَا، وَاخْتلف فِي السَّكْرَان فَقيل: من اخْتَلَط كَلَامه المنظوم وانكشف ستره المكتوم، وَقيل: من لَا يعرف السَّمَاء من الأَرْض وَلَا الطول من الْعرض.
٥٥٩٨ - حدّثنامُحَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ أخبرَنا سُفْيانُ عنْ أبي الجُوَيْرِيَةِ قَالَ: سألْتُ ابنَ عَبَّاسٍ عنِ الباذَقِ، فَقَالَ: سَبَقَ مُحَمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الباذَقَ، فَما أسْكَرَ فَهْوَ حَرَامٌ. قَالَ: الشَّرَابُ الحَلَالُ الطَّيِّبُ؟ قَالَ: لَيْسَ بَعْدَ الحَلَالِ الطَّيِّبِ إلَاّ الحَرَامُ الخَبِيثُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَأَبُو الجويرية بِالْجِيم مصغر واسْمه حطَّان بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الطَّاء وبالنون ابْن خفاف بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَخْفِيف الْفَاء الأولى الْجرْمِي بِفَتْح الْجِيم وَالرَّاء.
قَوْله: (سبق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) أَي: سبق حكمه بِتَحْرِيمِهِ حَيْثُ قَالَ: كل مَا أسكر فَهُوَ حرَام. وَقَالَ ابْن بطال: أَي سبق مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالتَّحْرِيمِ للخمر قبل تسميتهم لَهَا بالباذق وَهُوَ من شراب الْعَسَل، وَلَيْسَ تسميتهم لَهَا بِغَيْر اسْمهَا بِنَافِع إِذا أسكرت، وَرَأى ابْن عَبَّاس أَن سائله أَرَادَ استحلال الشَّرَاب الْمحرم بِهَذَا الِاسْم فَمَنعه بقوله: (فَمَا أسكر فَهُوَ حرَام) وَأما معنى: (لَيْسَ بعد الْحَلَال الطّيب إِلَّا الْحَرَام الْخَبيث) فَهُوَ أَن الشُّبُهَات تقع فِي حيّز الْحَرَام وَهِي الْخَبَائِث، وَقيل: قَوْله: (الشَّرَاب الطّيب) إِلَى آخِره، هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع النّسخ الْمَشْهُورَة بَين النَّاس وَلم يعين الْقَائِل هَل هُوَ قَول ابْن عَبَّاس أَو قَول غَيره من بعده، وَالظَّاهِر أَنه من قَول ابْن عَبَّاس، وَبِذَلِك جزم القَاضِي إِسْمَاعِيل فِي أَحْكَامه فِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق.
٥٥٩٩ - حدّثنا عبْدُ الله بنُ أبي شَيْبَةَ حَدثنَا أبُو أُسامَةَ حَدثنَا هِشامُ بنُ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُحِبُّ الحَلْوَاءَ والعَسَلَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الَّذِي يحل من الْمَطْبُوخ هُوَ مَا كَانَ فِي معنى الْحَلْوَاء، وَالَّذِي يجوز شربه من عصير الْعِنَب بِغَيْر طبخ فَهُوَ مَا كَانَ فِي معنى الْعَسَل، والْحَدِيث قد تقدم فِي الْأَطْعِمَة فِي: بَاب الْحَلْوَاء وَالْعَسَل.
١١ - (بابُ مَنْ رَأى أنْ لَا يَخْلِطَ البُسْرَ والتَّمْرَ إذَا كانَ مُسْكِراً وأنْ لَا يَجْعَلَ إدَامَيْنِ فِي إدَامٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من رأى أَن لَا يخلط الْبُسْر وَالتَّمْر إِذا كَانَ أَي: خلطهما مُسكرا فَقَالَ ابْن بطال. قَوْله: إِذا كَانَ مُسكرا خطأ، لِأَن النَّهْي عَن الخليطين عَام وَإِن لم يسكر كثيرهما لسرعة سريان الْإِسْكَار إِلَيْهِمَا من حَيْثُ لَا يشْعر صَاحبه، وَلَيْسَ النَّهْي عَن الخليطين لِأَنَّهُمَا يسكران حَالا، بل لِأَنَّهُمَا يسكران مَآلًا، فَإِنَّهُمَا إِذا كَانَا مسكرين فِي الْحَال لَا خلاف فِي النَّهْي عَنْهُمَا. وَقَالَ الْكرْمَانِي: لَيْسَ خطأ بل غَايَته أَنه أطلق مجَازًا مَشْهُورا، وَقيل: لَا يلْزم البُخَارِيّ ذَلِك، إِمَّا لِأَنَّهُ يرى جَوَاز الخليطين قبل