غَزْوَة الْفَتْح لِأَنَّهُ صرح فِيهِ بقوله:(خرج إِلَى مَكَّة عَام الْفَتْح) الحَدِيث. قَوْله:(ورجلاً قد ظلل عَلَيْهِ) وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وَالرجل المجهود فِي الصَّوْم هُنَا، قيل: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل، ذكر الْخَطِيب فِي كتاب (المبهمات) : (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَآهُ يهادي بَين ابنيه، وَقد ظلّ عَلَيْهِ، فَسَأَلَ عَنهُ، فَقَالُوا: نذر أَن يمشي إِلَى بَيت الله الْحَرَام، فَقَالَ: إِن الله لَغَنِيّ عَن تَعْذِيب هَذَا نَفسه، مروه فليمش وليركب) . وَفِي مُسْند أَحْمد مَا يشْعر بِأَنَّهُ غير المظلل عَلَيْهِ، وَهُوَ:(أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، دخل الْمَسْجِد وَأَبُو إِسْرَائِيل يُصَلِّي، فَقيل للنَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ ذَا يَا رَسُول الله، لَا يقْعد وَلَا يكلم النَّاس وَلَا يستظل وَلَا يفْطر، فَقَالَ: ليقعد وليتكلم وليستظل وليفطر) . وَقَالَ بَعضهم: زعم مغلطاي أَنه أَبُو إِسْرَائِيل، وعزى ذَلِك (بمبهمات الْخَطِيب) ، وَلم يقل الْخَطِيب ذَلِك فِي هَذِه الْقِصَّة، ثمَّ أَطَالَ الْكَلَام بِمَا لَا يفِيدهُ، فَكيف يَقُول: زعم مغلطاي، وَهُوَ لم يزْعم ذَلِك؟ وَإِنَّمَا قَالَ: قيل: هُوَ أَبُو إِسْرَائِيل، ثمَّ قَالَ أَيْضا: وَفِي (مُسْند) أَحْمد مَا يشْعر أَنه غَيره، وَبَين ذَلِك، فَهَذَا مُجَرّد تشنيع عَلَيْهِ مَعَ ترك محَاسِن الْأَدَب فِي ذكره بِصَرِيح اسْمه، وَلَيْسَ هَذَا من دأب الْعلمَاء. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) عِنْدَمَا ينْقل عَنهُ شَيْئا، قَالَ شَيخنَا عَلَاء الدّين. قَوْله:(قد ظلل عَلَيْهِ) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(فَقَالَ) أَي: فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مَا للرجل؟) يَعْنِي: مَا شَأْنه؟ وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ:(مَا بَال صَاحبكُم هَذَا؟) قَوْله: (لَيْسَ من الْبر الصَّوْم فِي السّفر) ، قد مر تَفْسِير الْبر آنِفا، وَتمسك بعض أهل الظَّاهِر بِهَذَا، وَقَالَ: إِذا لم يكن من الْبر فَهُوَ من الْإِثْم، فَدلَّ أَن صَوْم رَمَضَان لَا يجزىء فِي السّفر. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: هَذَا الحَدِيث خرج لَفظه على شخص معِين، وَهُوَ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث، وَمَعْنَاهُ: لَيْسَ الْبر أَن يبلغ الْإِنْسَان بِنَفسِهِ هَذَا الْمبلغ، وَالله قد رخص فِي الْفطر، وَالدَّلِيل على صِحَة هَذَا التَّأْوِيل صَوْمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر فِي شدَّة الْحر، وَلَو كَانَ إِثْمًا لَكَانَ أبعد النَّاس مِنْهُ، أَو يُقَال: لَيْسَ هُوَ أبر الْبر، لِأَنَّهُ قد يكون الْإِفْطَار أبر مِنْهُ للقوة فِي الْحَج وَالْجهَاد وشبههما. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَي: لَيْسَ من الْبر الْوَاجِب.
قيل: هَذَا التَّأْوِيل إِنَّمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من قطع الحَدِيث عَن سَببه وَحمله على عُمُومه، وَأما من حمله على الْقَاعِدَة الشَّرْعِيَّة فِي رفع مَا لَا يُطَاق عَن هَذِه الْأمة. فبأن للْمَرِيض الْمُقِيم وَمن أجهده الصَّوْم أَن يفْطر، فَإِن خَافَ على نَفسه التّلف من الصَّوْم عصى بصومه، وعَلى هَذَا يحمل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(أُولَئِكَ العصاة) ، وَأما من كَانَ على غير حَال المظلل عَلَيْهِ فَحكمه مَا تقدم من التَّخْيِير، وَبِهَذَا يرْتَفع التَّعَارُض، وتجتمع الْأَدِلَّة وَلَا يحْتَاج إِلَى فرض نسخ، إِذْ لَا تعَارض. فَإِن قلت: روى النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي أُميَّة الضمرِي فِيهِ: (فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِن الله وضع عَن الْمُسَافِر الصّيام وَنصف الصَّلَاة) ، وروى أَيْضا من حَدِيث (عبد الله بن الشخير، قَالَ: كنت مُسَافِرًا فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَأْكُل وَأَنا صَائِم، فَقَالَ: هَلُمَّ! فَقلت: إِنِّي صَائِم. قَالَ: أَتَدْرِي مَا وضع الله، عز وَجل، عَن الْمُسَافِر؟ قلت: وَمَا وضع الله عَن الْمُسَافِر؟ قَالَ: الصَّوْم وَشطر الصَّلَاة. قلت: يجوز أَن يكون ذَلِك الصّيام الَّذِي وَضعه عَنهُ هُوَ الصّيام الَّذِي لَا يكون لَهُ مِنْهُ بُد فِي تِلْكَ الْأَيَّام، كَمَا لَا بُد للمقيم من ذَلِك.
٧٣ - (بَاب لم يعب أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَعضهم بَعْضًا فِي الصَّوْم والإفطار)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لم يعب ... ألى آخِره أَرَادَ يَعْنِي فِي الْأَسْفَار
٥٤ - (حَدثنَا عبد الله بن مسلمة عَن مَالك عَن حميد الطَّوِيل عَن أنس بن مَالك قَالَ كُنَّا نسافر مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلم يعب الصَّائِم على الْمُفطر وَلَا الْمُفطر على الصَّائِم) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنَّهَا بعض متن الحَدِيث. وَأخرجه مُسلم قَالَ حَدثنَا يحيى بن يحيى قَالَ أخبرنَا أَبُو خَيْثَمَة " عَن حميد قَالَ سُئِلَ أنس عَن صَوْم رَمَضَان فِي السّفر فَقَالَ سافرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي رَمَضَان فَلم يعب الصَّائِم على الْمُفطر وَلَا الْمُفطر على الصَّائِم " وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة قَالَ حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر " عَن حميد قَالَ خرجت فَصمت فَقَالُوا لي أعد "(فَإِن قلت) أَن أنسا أَخْبرنِي " أَن أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانُوا يسافرون فَلَا يعيب الصَّائِم على الْمُفطر وَلَا الْمُفطر على الصَّائِم فَلَقِيت ابْن أبي مليكَة فَأَخْبرنِي عَن عَائِشَة بِمثلِهِ " وروى مُسلم أَيْضا " عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَجَابِر بن عبد الله قَالَا سافرنا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيصوم الصَّائِم وَيفْطر الْمُفطر فَلَا يعيب بَعضهم على بعض "