أفضل؟ قَالَ: المَاء) . وَفِي حَدِيث مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (إِن رجلا قَالَ: يَا رَسُول الله، إِن أبي مَاتَ وَترك مَالا وَلم يوص، فَهَل يَكْفِي ذَلِك عَنهُ أَن أَتصدق؟ قَالَ: نعم) فالقضية إِذن مُتعَدِّدَة.
وَيُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن الصَّدَقَة عَن الْمَيِّت تجوز، وَأَنه ينْتَفع بهَا، وروى أَحْمد عَن عبد الله بن عَمْرو أَن الْعَاصِ بن وَائِل نذر فِي الْجَاهِلِيَّة أَن ينْحَر مائَة بَدَنَة، وَأَن هِشَام بن الْعَاصِ نحر عَنهُ خمسين، وَأَن عمرا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، فَقَالَ: أما أَبوك فَلَو أقرّ بِالتَّوْحِيدِ فَصمت وتصدقت عَنهُ نَفعه ذَلِك، وَعند ابْن مَاكُولَا، من حَدِيث إِبْرَاهِيم بن حبَان عَن أَبِيه عَن جده (عَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه قَالَ: سَأَلت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت: إِنَّا لندعو لموتانا ونتصدق عَنْهُم ونحج، فَهَل يصل ذَلِك إِلَيْهِم؟ فَقَالَ: إِنَّه ليصل إِلَيْهِم ويفرحون بِهِ كَمَا يفرح أحدكُم بالهدية) .
٦٩ - (بابُ مَا جاءَ فِي قَبْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبِي بَكْرٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي صفة قبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَصفَة قبر أبي بكر الصّديق وَعمر الْفَارُوق من كَون قبرهم فِي بَيت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا. وَكَونه مسنما أَو غير مسنم، وَكَونه بارزا أَو غير بارز، وَمن كَون أبي بكر وَعمر مَعَه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِيه فَضِيلَة عَظِيمَة لَهما فِيمَا لَا يشاركهما فِيهَا أحد، وَذَلِكَ أَنَّهُمَا كَانَا وزيريه فِي حَال حَيَاته، وصارا ضجيعيه بعد مماته، وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة خصهما الله تَعَالَى بهَا، وكرامة حياهما بهَا لم تحصل لأحد: أَلا ترى وَصِيَّة عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، إِلَى ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا: أَن لَا يدفنها مَعَهم خشيَة أَن تزكّى بذلك، وَهَذَا من تواضعها وإقرارها بِالْحَقِّ لأَهله، وإيثارها بِهِ على نَفسهَا، وَرَأَتْ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَهلا وَأَيْضًا لقرب طينتهما من طينته، فَفِي حَدِيث أبي سعيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (مر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي جَنَازَة عِنْد قبر، فَقَالَ: من هَذَا؟ فَقيل: فلَان الحبشي، فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا إلاه إلَاّ الله، سيق من أرضه وسمائه إِلَى تربته الَّتِي مِنْهَا خلق) . قَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد، وَإِنَّمَا استأذنها عمر فِي ذَلِك وَرغب إِلَيْهَا فِيهِ لِأَن الْموضع كَانَ بَيتهَا، وَلها فِيهِ حق، وَلها أَن تُؤثر بِهِ نَفسهَا لذَلِك، فآثرت بِهِ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقد كَانَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، رَأَتْ رُؤْيا دلتها على مَا فعلت حِين رَأَتْ ثَلَاثَة أقمار سقطن فِي حُجْرَتهَا، فقصتها على والدها لما توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَدفن فِي بَيتهَا، فَقَالَ لَهَا أَبُو بكر: هَذَا أول أقمارك وَهُوَ خَيرهَا.
وَقَوْلُ الله {فأقبره}
قَول الله: مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: فأقبره، بالتأويل، يَعْنِي قَول الله مقول فِيهِ فأقبره يُشِير بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {ثمَّ أَمَاتَهُ فأقبره} (عبس: ١٢) . وَذَلِكَ بعد أَن خلقه سويا ثمَّ أَمَاتَهُ، أَي: قبض روحه فأقبره أَي: جعله ذَا قبر يدْفن فِيهِ، وَقيل: جعل لَهُ من يقبره ويواريه وَلَا يلقى للسباع وَالطير، ليَكُون مكرما حَيا وَمَيتًا، وَلم يقل: قَبره، لِأَن فَاعل ذَلِك هُوَ الله تَعَالَى، أَي: صيره مقبورا فَلَيْسَ كَفعل الْآدَمِيّ، وَالْعرب تَقول: طردت فلَانا عني، وَالله أطرده أَي: جعله طريدا.
أقْبَرْتُ الرَّجُلَ إذَا جَعَلْتَ لَهُ قَبْرا وقَبَرْتُهُ دَفَنْتُهُ
أَشَارَ بِهَذَا إِلَى الْفرق فِي الْمَعْنى بَين: أقبرت، الَّذِي هُوَ من الثلاثي الْمَزِيد من بَاب: الْأَفْعَال، وَبَين: قبرت، الَّذِي من الثلاثي الْمُجَرّد، وبيَّن أَن معنى: أقبرت، جعلت لَهُ قبرا، وَأَن معنى: قبرت فلَانا: دَفَنته.
كِفَاتا يَكُونُونَ فِيهَا أحْيَاءً ويُدْفَنُونَ فِيهَا أمْوَاتا
أَشَارَ بِهِ إِلَى تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} (المرسلات: ٥٢) . وَقَوله: كفاتا، كلمة من الْقُرْآن الْكَرِيم، وَقَوله: يكونُونَ فِيهَا تَفْسِيره. وروى عبد بن حميد من طَرِيق مُجَاهِد، قَالَ فِي قَوْله: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا أَحيَاء وأمواتا} (المرسلات: ٥٢) . قَالَ يكونُونَ فِيهَا مَا أَرَادوا، ثمَّ يدفنون فِيهَا. انْتهى. والكفات من: كفت الشَّيْء أكفته إِذا جمعته وضممته. قَالَه الزّجاج: وَقَالَ الْفراء: نكفتهم أَمْوَاتًا فِي بَطنهَا، أَي: نحفظهم ونحرزهم وَنصب الْأَحْيَاء والأموات بِوُقُوع الكفات عَلَيْهِ. وَفِي (تَفْسِير الطَّبَرِيّ) : كفاتا وعَاء. وَعَن ابْن عَبَّاس: كُنَّا، وَعَن مُجَاهِد: {ألم نجْعَل الأَرْض كفاتا} (المرسلات: ٥٢) . قَالَ: نكفت أذاهم وَمَا يخرج مِنْهُم. وَفِي (الْمُحكم) : كفته وكفته: قَبضه وضمه. قَالَ: وَعِنْدِي أَن الكفات فِي الْآيَة الْكَرِيمَة مصدر من: كفت.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute