أَي: هَذَا فِي تَفْسِير بعض سُورَة الْحَشْر، وَهِي مَدَنِيَّة: وَهِي ألف وَتِسْعمِائَة وَثَلَاثَة عشر حرفا وَأَرْبَعمِائَة وَخمْس وَأَرْبَعُونَ كلمة، وَأَرْبع وَعِشْرُونَ آيَة وَسميت سُورَة الْحَشْر لقَوْله تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من أهل الْكتاب من دِيَارهمْ لأوّل الْحَشْر} (الْحَشْر: ٢) الْآيَة. يَعْنِي الله هُوَ الَّذِي أخرج الَّذين كفرُوا من بني النَّضِير الَّذين كَانُوا بِيَثْرِب، وَعَن ابْن إِسْحَاق كَانَ جلاء بني النَّضِير مرجع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحد، وَكَانَ فتح قُرَيْظَة عِنْد مرجعه من الْأَحْزَاب وَبَينهمَا سنتَانِ، وَإِنَّمَا قَالَ: {لأوّل الْحَشْر} لأَنهم أول من حشروا من أهل الْكتاب. وَنَفَوْا من الْحجاز وَكَانَ حشرهم إِلَى الشَّام، وَعَن مرّة الْهَمدَانِي: كَانَ هَذَا أول الْحَشْر من الْمَدِينَة والحشر الثَّانِي من خَيْبَر وَجَمِيع جَزِيرَة الْعَرَب إِلَى أَذْرُعَات وَأَرِيحَا من الشَّام فِي أَيَّام عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَعَن قَتَادَة: كَانَ هَذَا أول الْحَشْر والحشر الثَّانِي نَار تَحْشُرهُمْ من الْمشرق إِلَى الْمغرب تبيت مَعَهم حَيْثُ باتوا وتقيل مَعَهم حَيْثُ قَالُوا وتأكل مِنْهُم من تخلف.
(بِسم الله الرحمان الرَّحِيم)
لم تثبت الْبَسْمَلَة إلَاّ لأبي ذَر.
١ - (بابٌ: {الجَلاءَ: الإخْرَاجُ مِنْ أرْضٍ إلَى أرْضٍ} )
أَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَن كتب الله عَلَيْهِم الْجلاء لعذبهم فِي الدُّنْيَا} (الْحَشْر: ٣) الْآيَة، وَكَذَا فسره قَتَادَة أخرجه ابْن أبي حَاتِم من طَرِيق سعيد عَنهُ، والجلاء أخص من الْإِخْرَاج لِأَن الْجلاء مَا كَانَ مَعَ الْأَهْل وَالْمَال والإخراج أَعم مِنْهُ.
٢٨٨٤ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ سُلَيْمَانَ حدَّثنا هُشَيْمٌ أخْبَرَنا أبُو بَشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: سورَةُ التَّوْبَةِ؟ قَالَ: التَوْبَةُ هِيَ الفَاضِحَةُ مَا زَالَتْ تَنزِلُ: وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ، حَتَّى ظَنُّوا أنَّها لَمْ تُبْقِ أحَدا مِنْهُمْ إلَاّ ذُكِرَ فِيهَا قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الأنْفَالِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ. قَالَ: قُلْتُ: سُورَةُ الحَشْرِ؟ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَنِي النَّضِيرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وهشيم مصغر هشم ابْن بشير مصغر بشر بِالْبَاء الْمُوَحدَة والشين الْمُعْجَمَة الوَاسِطِيّ، وَأَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْمُعْجَمَة، جَعْفَر بن أبي وحشية إِيَاس الوَاسِطِيّ.
والْحَدِيث أخرج البُخَارِيّ بعضه فِي سُورَة الْأَنْفَال وَفِيه وَفِي الْمَغَازِي عَن الْحسن بن مدرك. وَأخرجه مُسلم فِي آخر الْكتاب عَن عبد الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُطِيع.
قَوْله: (هِيَ الفاضحة) لِأَنَّهَا تفضح النَّاس حَيْثُ تبين معائبهم. قَوْله: (مَا زَالَت) أَي: سُورَة التَّوْبَة تنزل قَوْله: (وَمِنْهُم وَمِنْهُم) صَحَّ مرَّتَيْنِ، وَأَشَارَ بِهِ إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَمِنْهُم الَّذين يُؤْذونَ النَّبِي} (التَّوْبَة: ٦) قَالَ: {وَمِنْهُم من يَلْمِزك فِي الصَّدقَات} (التَّوْبَة: ٨٥) و {مِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي} (التَّوْبَة: ٩٤) و {مِنْهُم من عَاهَدَ الله} (التَّوْبَة: ٥٧) قَوْله: (لم تبْق) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لن تبقى، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَنه لَا يبْقى. قَوْله: (فِي بني النَّضِير) بِفَتْح النُّون وَكسر الضَّاد الْمُعْجَمَة: قَبيلَة الْيَهُود.
٣٨٨٤ - حدَّثنا الحَسَنُ بنُ مُدْرِكٍ حدَّثنا يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ أخْبرنا أبُو عَوَانَةَ عَنْ أبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عَنْهُمَا سُورَةُ الحَشْرِ قَالَ قُلْ سُورَةُ النَّضِيرِ.
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. وَأَبُو عوَانَة بِفَتْح الْعين: الوضاح الْيَشْكُرِي، وَسَعِيد هُوَ ابْن جُبَير. قَوْله: (قل سُورَة النَّضِير) كَأَنَّهُ كره تَسْمِيَتهَا بالحشر لِئَلَّا يظنّ أَن المُرَاد يَوْم الْقِيَامَة، وَإِنَّمَا المُرَاد بِهِ هُنَا إِخْرَاج بني النَّضِير.
٢ - (بابُ قَوْلِهِ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} (الْحَشْر: ٥) نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {مَا قطعْتُمْ من لينَة أَو تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَة} الْآيَة، وَفسّر اللينة بالنخلة، وَكَذَا فَسرهَا أَبُو عُبَيْدَة: وَهِي من الألوان مَا لم تكن عَجْوَة أَو برنية، بِفَتْح الْبَاء وسكو الرَّاء وَكسر النُّون وَتَشْديد الْبَاء آخر الْحُرُوف وَهِي ضرب من التَّمْر، وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: اخْتلف فِي اللينة فَقيل: هِيَ مَا دون الْعَجْوَة من النَّحْل وَالنَّخْل كُله لينَة مَا خلا الْعَجْوَة، وَهُوَ قَول عِكْرِمَة وَقَتَادَة، وَعَن الزُّهْرِيّ: اللينة ألوان النَّخْلَة كلهَا لِأَن الْعَجْوَة أَو البرنية، وَعَن عَطِيَّة وَابْن زيد. هِيَ النَّخْلَة والنخيل