٦١٨٢ - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ حدّثنا عَبْدُ الأعْلَى حَدثنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي سَلَمَةَ عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: لَا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، وَلَا تَقُولُوا: خَيْبَةَ الدَّهْرِ، فإِنَّ الله هُوَ الدَّهْرُ. (انْظُر الحَدِيث ٦١٨٢ طرفه فِي: ٦١٨٣) .
هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث السَّابِق أخرجه عَن عَيَّاش بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف والشين الْمُعْجَمَة ابْن الْوَلِيد الْبَصْرِيّ الرقام عَن عبد الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى عَن معمر بن رَاشد عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أبي هُرَيْرَة.
قَوْله:(لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم) قَالَ الْخطابِيّ: نهى عَن تَسْمِيَة الْعِنَب كرماً لتوكيد تَحْرِيم الْخمر ولتأبيد النَّهْي عَنْهَا بمحو اسْمهَا. قَوْله:(وَلَا تَقولُوا خيبة الدَّهْر) كَذَا هُوَ لأكْثر الروَاة، وَفِي رِوَايَة النَّسَفِيّ: يَا خيبة الدَّهْر، وَفِي رِوَايَة غير البُخَارِيّ: واخيبة الدَّهْر، والخيبة بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء آخر الْحُرُوف بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَهِي الحرمان، وانتصاب الخيبة على الندبة كَأَنَّهُ فقد الدَّهْر لما يصدر عَنهُ مِمَّا يكرههُ فندبه متفجعاً عَلَيْهِ أَو متوجعاً مِنْهُ. وَقَالَ الدَّاودِيّ: هُوَ دُعَاء على الدَّهْر بالخيبة، وَهُوَ كَقَوْلِهِم قحط الله نوأها يدعونَ على الأَرْض بِالْقَحْطِ، وَهِي كلمة هَذَا أَصْلهَا ثمَّ صَارَت تقال لكل مَذْمُوم، وَوَقع فِي رِوَايَة الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم بِلَفْظ: وادهراه {وادهراه}
١٠٢ - (بابُ قَوْلِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إنَّما الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن، هَذَا قِطْعَة من آخر حَدِيث رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَة وَيَأْتِي الْآن فِي هَذَا الْبَاب من رِوَايَة سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ مُسلم من رِوَايَة الْأَعْرَج عَنهُ قَالَ: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يَقُولَن أحدكُم: الْكَرم، فَإِن الْكَرم قلب الْمُؤمن) وَله من رِوَايَة ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم فَإِن الْكَرم الرجل الْمُسلم، وَفِي رِوَايَة لَهُ من حَدِيث عَلْقَمَة إِن وَائِل عَن أَبِيه: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ:(لَا تَقولُوا الْكَرم وَلَكِن قُولُوا الْعِنَب والحبلة) . قَوْله:(إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن) أَي: لما فِيهِ من نور الْإِيمَان وَالتَّقوى. قَالَ الله تَعَالَى: { (٩٤) إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} (الحجرات: ١٣) وَقَالَ فِي الْبَاب الَّذِي قبله: (لَا تسموا الْعِنَب الْكَرم) . وَقَالَ هُنَا: إِنَّمَا الْكَرم قلب الْمُؤمن. قَالَت الْعلمَاء: سَبَب كَرَاهَة ذَلِك أَن لفظ الْكَرم كَانَت الْعَرَب تطلقها على شجر الْعِنَب وعَلى الْخمر المتخذة من الْعِنَب سَموهَا كرماً لكَونهَا متخذة مِنْهَا، وَلِأَنَّهَا تحمل على الْكَرم والسخاء، فكره الشَّارِع إِطْلَاق هَذِه اللَّفْظَة على الْعِنَب وشجره لأَنهم إِذا سمعُوا اللَّفْظ فَرُبمَا تَذكرُوا بهَا الْخمر وهيجت نُفُوسهم إِلَيْهَا فيقعوا فِيهَا، أَو قاربوا. وَقَالَ: إِنَّمَا يسْتَحق هَذَا الإسم قلب الْمُؤمن لِأَنَّهُ منبع الْكَرم وَالتَّقوى والنور وَالْهدى، وَالْمَشْهُور فِي اللُّغَة أَن الْكَرم، بِسُكُون الرَّاء: الْعِنَب. قَالَ الْأَزْهَرِي: سمى الْعِنَب كرماً لكرمه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذلل لقاطعه وَيحمل الأَصْل عَنهُ مثل مَا تحمل النَّخْلَة وَأكْثر، وكل شَيْء كثر فقد كرم. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: سمي كرماً لِأَن الْخمر مِنْهُ وَهِي تحث على السخاء وتأمر بمكارم الْأَخْلَاق، كَمَا سَموهَا رَاحا، وَذَلِكَ قَالَ: لَا تسموا الْعِنَب كرماً، كره أَن يُسمى أصل الْخمر باسم مَأْخُوذ من الْكَرم، وَجعل الْمُؤمن الَّذِي يَتَّقِي شربهَا وَيرى الْكَرم فِي تَركهَا أَحَق بِهَذَا الإسم الْحسن تَأْكِيدًا لِحُرْمَتِهِ، وَأسْقط الْخمر عَن هَذِه الرُّتْبَة تحقيراً لَهَا.