للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التَّاسِع: فِيهِ أَن بِمُجَرَّد اللّعان لَا تقع الْفرْقَة بل تقع بِحكم الْحَاكِم عِنْد أبي حنيفَة. كَقَوْلِه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (فَطلقهَا) وَلما فِي حَدِيث ابْن عمر أخرجه مُسلم، ثمَّ فرق بَينهمَا، وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد، وَفِي مَذْهَب مَالك: أَرْبَعَة أَقْوَال. أَحدهَا: أَن الْفرْقَة لَا تقع إِلَّا بالتعانهما جَمِيعًا. وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهر قَول مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : أَنَّهَا تقع بِلعان الزَّوْج وَهُوَ رِوَايَة إصبغ. وَالثَّالِث: قَول سَحْنُون: يتم بِلعان الزَّوْج مَعَ نُكُول الْمَرْأَة. وَالرَّابِع: قَول ابْن الْقَاسِم: يتم بالتعان الزَّوْج إِن التعنت، فحاصل مَذْهَب مَالك أَنَّهَا تقع بَينهمَا بِغَيْر حكم حَاكم وَلَا تطليق. وَبِه قَالَ اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو عبيد وَزفر بن هزيل، وَعند الشَّافِعِي: تقع بالتعان الزَّوْج، وَاتفقَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو عبيد وَأَبُو ثَوْر: أَن اللّعان حكمه وسنته الْفرْقَة بَين المتلاعنين، إِمَّا بِاللّعانِ وَإِمَّا بتفريق الْحَاكِم، على مَا ذكرنَا من مذاهبهم، وَهُوَ مَذْهَب أهل الْمَدِينَة وَمَكَّة وكوفة وَالشَّام ومصر، وَقَالَ عُثْمَان البتي وَطَائِفَة من أهل الْبَصْرَة: إِذا تلاعنا لم ينقص اللّعان شَيْئا من الْعِصْمَة حَتَّى يُطلق الزَّوْج، قَالَ: وَأحب إِلَيّ أَن يُطلق، وَقَالَ الإشبيلي: هَذَا قَول لم يتقدمه أحد إِلَيْهِ. قلت: حكى ابْن جرير هَذَا القَوْل أَيْضا عَن أبي الشعْثَاء جَابر بن زيد، ثمَّ اخْتلفُوا أَن الْفرْقَة بَين المتلاعنين فسخ أَو تَطْلِيقَة؟ فَعِنْدَ أبي حنيفَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب: هِيَ طَلْقَة وَاحِدَة، وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ: هِيَ فسخ. الْعَاشِر: فِيهِ أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ أصلا لقَوْله: (فَكَانَت سنة لمن كَانَ بعدهمَا) . الْحَادِي عشر: فِيهِ الِاعْتِبَار بالشبه لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، اعْتبر الشّبَه وَلَكِن لم يحكم بِهِ لأجل مَا هُوَ أقوى من الشّبَه، فَلذَلِك قَالَ فِي ولد وليدة زَمعَة لما رأى الشّبَه بِعَيْنِه احتجبي مِنْهُ يَا سَوْدَة، وَقضى بِالْوَلَدِ للْفراش لِأَنَّهُ أقوى من الشّبَه، وَحكم بالشبه فِي حكم الْقَافة إِذْ لم يكن هُنَاكَ شَيْء أقوى من الشّبَه. الثَّانِي عشر: فِيهِ إِثْبَات التَّوَارُث بَينهَا وَبَين وَلَدهَا، يفهم ذَلِك من قَوْله: فَكَانَ بعد ينْسب إِلَى أمه. وَجَاء فِي حَدِيث يَأْتِي أصرح مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله: ثمَّ جرت السّنة فِي الْمِيرَاث أَن يَرِثهَا وترث مِنْهُ مَا فرض الله لَهَا، وَهَذَا إِجْمَاع فِيمَا بَينه وَبَين الْأُم، وَكَذَا بَينه وَبَين أَصْحَاب الْفُرُوض من جِهَة أمه، وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ وَمَالك وَأَبُو ثَوْر، وَقَالَ أَحْمد: إِذا انْفَرَدت الْأُم أخذت جَمِيع مَاله بالعصوبة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا انْفَرَدت أخذت الْجَمِيع لَكِن الثُّلُث فرضا وَالْبَاقِي ردا على قَاعِدَته فِي إِثْبَات الرَّد. الثَّالِث عشر: فِيهِ أَن شَرط اللّعان أَن يكون بَين الزَّوْجَيْنِ لِأَن الله خصّه بالأزواج بقوله: {وَالَّذين يرْمونَ أَزوَاجهم} (النُّور: ٦) فعلى هَذَا إِذا تزوج امْرَأَة نِكَاحا فَاسِدا ثمَّ قَذفهَا لم يلاعنها لعدم الزَّوْجِيَّة، وَقَالَ الشَّافِعِي: يلاعنها إِذا كَانَ الْقَذْف يَنْفِي الْوَلَد وَكَذَا لَو طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا أَو ثَلَاثًا ثمَّ قَذفهَا بِالزِّنَا لَا يجب اللّعان، وَلَو طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ قَذفهَا يجب اللّعان، وَلَو قَذفهَا بزنا كَانَ قبل الزَّوْجِيَّة فَعَلَيهِ اللّعان عندنَا لعُمُوم الْآيَة، خلافًا للشَّافِعِيّ، وَلَو قذف امْرَأَته بعد مَوتهَا لم يُلَاعن عندنَا، وَعند الشَّافِعِي يُلَاعن على قبرها. الرَّابِع عشر: فِيهِ سُقُوط الْحَد عَن الرجل وَذَلِكَ لأجل أيمانه سقط الْحَد. الْخَامِس عشر: فِيهِ أَن شَرط وجوب اللّعان عدم إِقَامَة الْبَيِّنَة لقَوْله تَعَالَى: {ثمَّ لم يَأْتُوا بأَرْبعَة شُهَدَاء} حَتَّى لَو أقامهم الزَّوْج عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَا يجب اللّعان ويقام عَلَيْهَا الْحَد. السَّادِس عشر: فِيهِ إِشَارَة إِلَى أَن شَرط وجوب اللّعان إِنْكَار الْمَرْأَة وجود الزِّنَا، حَتَّى لَو أقرَّت بذلك لَا يجب اللّعان ويلزمها حد الزِّنَا الْجلد إِن كَانَت غير مُحصنَة، وَالرَّجم إِذا كَانَت مُحصنَة، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.

٢ - (بابٌ: {والخامِسَةُ أنَّ لَعْنَةَ الله عَلَيْهِ إنْ كانَ مِنَ الكاذِبِينَ} (النُّور: ٧)

أَي: هَذَا بَاب فِي قَوْله عز وَجل: {وَالْخَامِسَة} ... الْآيَة. قَوْله: (وَالْخَامِسَة) أَي: الشَّهَادَة الْخَامِسَة، وَهِي بعد أَربع شَهَادَات كَمَا هِيَ مَعْرُوفَة فِي موضعهَا، وقرىء: أَن لعنة الله و: أَن غضب الله، على تَخْفيف: أَن، وَرفع مَا بعْدهَا. وقرىء: أَن غضب الله، بِكَسْر الضَّاد وعَلى فعل الْغَضَب، وقرىء بِنصب الخامستين على معنى: وَيشْهد الْخَامِسَة.

٦٤٧٤ - حدَّثني سُلَيْمانُ بنُ دَاوُدَ أبُو الرَّبِيعِ حَدثنَا فُلَيْحٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ أنَّ رجُلاً أتَى رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله أرَأيْتَ رَجُلاً رَأْي مَعَ امْرَأتِهِ رجُلاً أيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فأنْزَلَ الله فِيهِما مَا ذُكِرَ فِي القُرْآنِ مِنَ التّلَاعُنِ فَقَالَ لَهُ رسولُ الله

<<  <  ج: ص:  >  >>