أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان عمْرَة الْقَضَاء، كَذَا هوف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَحده بَاب غَزْوَة الْقَضَاء، وَسميت بِالْقضَاءِ اشتقاقاً مِمَّا كتبُوا فِي كتاب الصُّلْح يَوْم الْحُدَيْبِيَة: هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ، لأمن الْقَضَاء الإصطلاحي، إِذْ لم تكن الْعمرَة الَّتِي اعتمروا بهَا فِي السّنة الْقَابِلَة قَضَاء للَّتِي تحللوا مِنْهَا يَوْم الصُّلْح، قَالَه الْكرْمَانِي وَفِي (الاكليل) : قَالَ الْحَاكِم: قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار عَن أَئِمَّة الْمَغَازِي أَنه لما دخل هِلَال ذِي الْقعدَة من سنة سبع من الْهِجْرَة أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَصْحَابه أَن يعتمروا قَضَاء عمرتهم، وَأَن لَا يتَخَلَّف مِنْهُم أحد مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة، وَخرج مَعَه أَيْضا قوم من الْمُسلمين مِمَّن لم يشْهدُوا وَالْحُدَيْبِيَة عماراً. وَكَانَ الْمُسلمُونَ فِي هَذِه الْعمرَة أَلفَيْنِ سوى النِّسَاء وَالصبيان. انْتهى. قلت: وَفِيه رد على مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَإِنَّمَا ذكر الْعمرَة فِي كتاب الْمَغَازِي للخصومة الَّتِي جرت بَينهم وَبَين الْكفَّار فِي سنة التَّحَلُّل وَالسّنة الْقَابِلَة أَيْضا وَإِن لم تكن بالمسايفة إِذْ لَا يلْزم من إِطْلَاق الْغَزْوَة الْمُقَاتلَة بِالسُّيُوفِ، وَتسَمى: عمْرَة الْقَضِيَّة. وَعمرَة الْقصاص، وَعمرَة الصُّلْح. قَالَ السُّهيْلي: تَسْمِيَتهَا: عمْرَة الْقصاص، أُولى لقَوْله تَعَالَى:{الشَّهْر الْحَرَام بالشهر الْحَرَام والحرمات قصاص}(الْبَقَرَة: ١٩٤) . وَكَذَا رَوَاهُ ابْن جرير بِإِسْنَاد صَحِيح عَن مُجَاهِد، وَبِه جزم سُلَيْمَان التَّيْمِيّ فِي (مغازيه) .
ذَكَرَهُ أنَسٌ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: ذكر حَدِيث عمْرَة الْقَضَاء أنس بن مَالك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس، قَالَ: لما دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة فِي عمْرَة الْقَضَاء مَشى عبد الله بن رَوَاحَة بَين بديه، وَهُوَ يَقُول:
(خلوا بني الْكفَّار عَن سَبيله ... قد أنزل الرَّحْمَن فِي تَنْزِيله
(
(بِأَن خير الْقَتْل فِي سَبيله ... نَحن قتلناكم على تَأْوِيله)
فَقَالَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يَا ابْن رَوَاحَة: أَتَقول الشّعْر بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: دَعه يَا عمر: لهَذَا أَشد عَلَيْهِم من وَقع النبل.