فَأخْرج كَلَامه مخرج الشَّك مَعَ كَونه غير شَاك فِي أَنَّهَا لَيست بِأم سَالم، وَكَذَلِكَ كَلَامه خرج مخرج الشَّك لطفاً مِنْهُ بعمر فِي صرفه عَن عزمه على قَتله.
٢٤ - (بابُ الأحْكامِ الَّتي تُعْرَفُ بِالدّلائِلِ، وكَيْفَ مَعْنَى الدِّلالَةِ وتَفْسِيرُها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْأَحْكَام الَّتِي تعرف بالدلائل أَي بالملازمات الشَّرْعِيَّة أَو الْعَقْلِيَّة. وَقَالَ ابْن الْحَاجِب وَغَيره: الْمُتَّفق عَلَيْهَا خَمْسَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع وَالْقِيَاس وَالِاسْتِدْلَال، وَذَلِكَ كلما علم ثُبُوت الْمَلْزُوم شرعا أَو عقلا علم ثُبُوت لَازمه عقلا أَو شرعا، قَوْله: بالدلائل، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: بِالدَّلِيلِ، بِالْإِفْرَادِ وَالدَّلِيل مَا يرشد إِلَى الْمَطْلُوب وَيلْزم من الْعلم بِهِ الْعلم بِوُجُود الْمَدْلُول. قَوْله: وَكَيف، معنى الدّلَالَة، بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا وَحكي ضمهَا أَيْضا وَالْفَتْح أَعلَى، وَمعنى الدّلَالَة هُوَ كإرشاد النَّبِي أَن الْخَاص وَهُوَ الْحمر حكمه دَاخل تَحت حكم الْعَام. وَهُوَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} فَإِن من ربطها فِي سَبِيل الله فَهُوَ عَامل للخير يرى جزاءه خيرا، وَمن ربطها فخراً ورياء فَهُوَ عَامل للشر يرى جزاءه شرا. قَوْله: وتفسيرها يجوز بِالرَّفْع والجر، وتفسيرها يَعْنِي: تبيينها كتعليم عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، للْمَرْأَة السائلة التَّوَضُّؤ بالفرصة.
وقَدْ أخْبَرَ النبيُّ أمْرَ الخَيْلِ وغَيْرِها ثُمَّ سُئِلَ عنِ الحُمُرِ فَدَلَّهُمْ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}
قد بَينا مَعْنَاهُ الْآن.
وسُئِلَ النبيُّ عنِ الضَّبِّ فَقَالَ: لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وأُكِلَ عَلى مائِدَةِ النبيِّ الضَّبُّ فاسْتَدَلَّ ابنُ عَبَّاسٍ بِأنَّهُ لَيْسَ بِحَرامٍ
فِيهِ أَيْضا بَيَان تَقْرِيره، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأَنه يُفِيد الْجَوَاز إِلَى أَن يُوجد مِنْهُ قرينَة تصرفه إِلَى غير ذَلِك. قَوْله: فاستدل ابْن عَبَّاس بِأَنَّهُ أَي: بِأَن أكل الضَّب لَيْسَ بِحرَام، وَذَلِكَ لما رأى أَنه يُؤْكَل على مائدته بِحَضْرَتِهِ وَلم يُنكره وَلَا منع مِنْهُ، وَلقَائِل أَن يَقُول: لَا آكله، قرينَة على عدم جَوَاز أكله مَعَ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالَاْغْلَالَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَءَامَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَائِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وَلَا شكّ أَن الضَّب من الْخَبَائِث لِأَن النَّفس الزكية لَا تقبله، أَلا ترى كَيفَ قَالَ إِنِّي أعافه؟ وَأما قَوْله: وَلَا أحرمهُ فَيحْتَمل أَنه يكون قبل نزُول الْآيَة، وَيحْتَمل أَنه كَانَ الَّذين أكلوه فِي ذَلِك الْوَقْت فِي مجاعَة وَكَانَ الْوَقْت فِي ضيق شَدِيد من عدم مَا يُؤْكَل من الْحَيَوَان.
٧٣٥٦ - حدّثنا إسْماعِيلُ، حدّثني مالِكٌ، عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ، عنْ أبي صالِحٍ السَّمَّانِ، عنْ أبي هُرَيْرَةَ، رَضِي الله عَنهُ، أنَّ رسولَ الله قَالَ: الخَيْلُ لِثَلاثَةٍ لِرَجُلٍ أجْرٌ ولِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فأمَّا الذِي لهُ أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها فِي سَبِيلِ الله، فأطالَ فِي مَرْجٍ أوْ رَوْضَةٍ فَمَا أصابَتْ فِي طِيَلِها ذالِكَ المَرْجِ أوْ الرَّوْضَةِ كانَ لهُ حَسَناتٍ، ولَوْ أنْها قَطَعَتْ طَيَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفاً أَو شَرَفَيْنِ كانَت آثارُها وأرْواثُها حَسَناتٍ لهُ، ولوْ أنّها مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ ولَمْ يُرِدْ أنْ يَسْقِيَ بِهِ كانَ ذالِكَ حَسَناتٍ لَهُ، وهِيَ لِذالِكَ الرَّجُلِ أجْرٌ. ورَجُلٌ رَبَطَها تَغَنِّياً وَتَعَفُّفاً ولَمْ يَنْسَ حَقَّ الله فِي رِقابِها وَلَا ظُهُورِها فَهْيَ لَهُ سِتْرٌ، ورَجُلٌ رَبَطَها فَخْراً ورِياءً فَهْيَ عَلَى ذالِكَ وِزْرٌ وسُئِلَ رسولُ الله عنِ الحُمُرِ قَالَ: مَا أنْزَلَ الله عَلَيَّ فِيها إلاّ هاذِهِ الآيَةَ الفَّاذَّةَ الجامِعَةَ {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}
ا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute