وعَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْداً عنْ أبي سَعِيدٍ نَحْوَهُ.
أَشَارَ البُخَارِيّ بهَا أَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ روى أَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة روى هَذَا الحَدِيث من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بالعنعنة وَالْآخر: صرح فِيهِ بِسَمَاعِهِ من حميد، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا تَعْلِيق، وَقَالَ بَعضهم: وَوهم بعض الشُّرَّاح فِي زَعمه أَن قَوْله: (وَعَن الزُّهْرِيّ) مُعَلّق، بل هُوَ مَوْصُول قلت: أَرَادَ بِالْبَعْضِ: الْكرْمَانِي، وَظَاهر الْأَمر مَعَه، وَهُوَ ادَّعى أَنه مَوْصُول وَلم يبين وَجه ذَلِك.
٧٣ - (بابُ كَفَّارَةِ البُزَاقِ فِي المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَفَّارَة البزاق فِي الْمَسْجِد، وَالْكَفَّارَة على وزن: فعالة، للْمُبَالَغَة، كقتالة وضرابة، وَهِي من الصِّفَات الْغَالِبَة فِي بَاب الإسمية، وَهِي عبارَة عَن الفعلة والخصلة الَّتِي من شَأْنهَا أَن تكفر الْخَطِيئَة أَي: تسترها وتمحوها، وأصل الْمَادَّة من الْكفْر وَهُوَ السّتْر، وَمِنْه سمى الزَّارِع: كَافِرًا لِأَنَّهُ يستر الْحبّ فِي الأَرْض، وَسمي الْمُخَالف لدين الْإِسْلَام كَافِرًا لِأَنَّهُ يستر الدّين الْحق، والتكفير هُوَ فعل مَا يجب بِالْحِنْثِ، والإسم مِنْهُ: الْكَفَّارَة.
٥١٤٧٧ - (حدّثنا آدَمُ قا حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدّثنا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (البُزَاقُ فِي المَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وكَفَّارَتُها دَفْنُها) .)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: التَّصْرِيح بِسَمَاع قَتَادَة عَن أنس. وَفِيه: القَوْل.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن حبيب عَن خَالِد بن الْحَارِث. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (البزاق فِي الْمَسْجِد) وَفِي رِوَايَة مُسلم: (التفل فِي الْمَسْجِد) ، بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاة من فَوق، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (وكفارته أَن تواريه) أَي: أَن تغيبه يَعْنِي: تدفنه. قَوْله: (فِي الْمَسْجِد) ظرف للْفِعْل فَلَا يشْتَرط كَون الْفَاعِل فِيهِ حَتَّى لَو بَصق من هُوَ خَارج الْمَسْجِد فِيهِ يتَنَاوَلهُ النَّهْي. قَوْله: (خطية) أَي إِثْم، وَأَصلهَا بِالْهَمْزَةِ، وَلَكِن يجوز تَشْدِيد الْيَاء. وَاخْتلف الْعلمَاء فِي المُرَاد بدفن البزاق، فالجمهور على أَنه الدّفن فِي تُرَاب الْمَسْجِد ورمله وحصائه إِن كَانَت فِيهِ هَذِه الْأَشْيَاء وإلَاّ يُخرجهُ. وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (من دخل هَذَا الْمَسْجِد فبزق فِيهِ أَو تنخم فليحفر فليدفنه. فَإِن لم يفعل فليبزق فِي ثَوْبه ثمَّ ليخرج بِهِ) . قَوْله: (فَإِن لم يفعل) ، أَي: فَإِن لم يحْفر أَو: لم يُمكن الْحفر (فليبزق فِي ثَوْبه) . وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ: (البزاق فِي الْمَسْجِد خطية وكفارته دَفنه) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف. وَقَالَ النَّوَوِيّ: هَذَا فِي غير الْمَسْجِد، وَأما الْمُصَلِّي فِي الْمَسْجِد فَلَا يبزق إلَاّ فِي ثَوْبه، ورد عَلَيْهِ بِأَحَادِيث كَثِيرَة إِن ذَلِك كَانَ فِي الْمَسْجِد، وروى أَحْمد فِي (مُسْنده) من حَدِيث سعد بن أبي وَقاص مَرْفُوعا بِإِسْنَاد حسن: (من تنخم فِي الْمَسْجِد فليغيب نخامته أَن تصيب جلد مُؤمن أَو ثَوْبه فتؤذيه) . وروى أَحْمد أَيْضا، وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن من حَدِيث أبي أُمَامَة مَرْفُوعا، قَالَ: (من تنخع فِي الْمَسْجِد فَلم يدفنه فسيئة، وَإِن دَفنه فحسنة) . وَفِي حَدِيث مُسلم عَن ابي ذَر: (وَوجدت فِي مساوىء أَعمال أمتِي النخامة تكون فِي الْمَسْجِد وَلَا تدفن) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فَلم يثبت لَهَا حكم السَّيئَة بِمُجَرَّد إيقاعها فِي الْمَسْجِد، بل بِهِ وبتركها غير مدفونة، وروى سعيد بن مَنْصُور: (عَن أبي عُبَيْدَة أَنه تنخم فِي الْمَسْجِد لَيْلَة فنسي أَن يدفنها حَتَّى رَجَعَ إِلَى منزله، فَأخذ شعلة من نَار ثمَّ جَاءَ فطلبها حَتَّى دَفنهَا، ثمَّ قَالَ: الْحَمد الَّذِي لم يكْتب عليَّ خَطِيئَة اللَّيْلَة) .
٧٨ - (حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر قَالَ حَدثنَا عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن همام سمع أَبَا هُرَيْرَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute