وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا عَطِيَّةَ مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.
٤٥٣٢ - ح دَّثنا حِبَّانُ حدَّثنا عَبْدُ الله أخْبرنا عَبْدُ الله بنُ عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بنِ سِيرِينَ قَالَ جَلَسْتُ إلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عُظْمٌ مِنَ الأنْصَارِ وَفِيهِمْ عَبْدُ الرَّحمانِ بنُ أبِي لَيْلَى فَذَكَرْتُ حَدِيثَ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ فِي شَأنِ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الحَارِثِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ وَلَكِنَّ عَمَّهُ كَانَ لَا يَقُولُ ذالِكَ فَقُلْتُ إنِّي لَجَرِيءٌ إنْ كَذَبْتُ عَلَى رَجُلٍ فِي جَانِبِ الكُوفَةِ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَالَ ثُمَّ خَرَجْتُ فَلَقِيتُ مَالِكَ بنَ عَامِرٍ أوْ مَالِكَ بنَ عَوْفٍ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ ابنِ مَسْعُودٍ فِي المُتَوَفَّى عَنْها زَوْجَها وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ قَالَ ابنُ مَسْعُودٍ أتَجْعَلُونَ عَلَيْها التَّغْلِيظَ وَلا تَجْعَلُونَ لَهَا الرُّخْصَةَ لَنَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ القُصْرَى بَعْدَ الطُّولَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) إِلَى آخِره. وحبان، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن مُوسَى الْمروزِي، وَعبد الله هُوَ ابْن الْمُبَارك الْمروزِي، وَعبد الله بن عون بن أرطبان الْبَصْرِيّ.
قَوْله: (فِيهِ عظم) بِضَم الْعين وَسُكُون الظَّاء، وَهُوَ جمع عَظِيم، وَأَرَادَ بِهِ عُظَمَاء الْأَنْصَار، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى واسْمه يسَار أَبُو عِيسَى الْكُوفِي، وَقَالَ عَطاء بن السَّائِب عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى: أدْركْت عشْرين وَمِائَة من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كلهم من الْأَنْصَار. قَوْله: (فَذكرت حَدِيث عبد الله بن عتبَة) بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الناء، الْمُثَنَّاة من فَوق ابْن مَسْعُود الْهُذلِيّ ابْن أخي عبد الله ابْن مَسْعُود، ذكره الْعقيلِيّ فِي (الصَّحَابَة) قَالَ أَبُو عمر: فغلط، وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ أَو من كبار التَّابِعين بِالْكُوفَةِ، وَهُوَ وَالِد عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة الْفَقِيه الْمدنِي الشَّاعِر شيخ ابْن شهَاب، اسْتَعْملهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَذكره البُخَارِيّ فِي التَّابِعين، ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأتى بِهِ فمسحه بِيَدِهِ ودعا لَهُ، وَكَانَ إِذْ ذَاك غُلَاما خماسيا أَو سداسيا. قَوْله: (سبيعة بنت الْحَارِث) بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة مصغر سَبْعَة الأسْلَمِيَّة. كَانَت امْرَأَة سعد بن خَوْلَة فَتوفي عَنْهَا بِمَكَّة، فَقَالَ لَهَا أَبُو السنابل بن بعكك إِن أَجلك أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَكَانَت قد وضعت بعد وَفَاة زَوجهَا بِليَال، قيل: خمس وَعشْرين لَيْلَة؟ وَقيل: أقل من ذَلِك، فَلَمَّا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل ذَلِك أَتَت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَخْبَرته، فَقَالَ لَهَا: قد حللت فَانْكِحِي من شِئْت، وَبَعْضهمْ يروي: إِذا أَتَاك من ترْضينَ فتزوجي. قَوْله: (وَلَكِن عَمه) أَي عَم عبد الله بن عتبَة، وَهُوَ عبد الله بن مَسْعُود. قَوْله: (لَا يَقُول ذَلِك) أَي: لَا يَقُول مَا قيل فِي شَأْن سبيعة الأسْلَمِيَّة، وَقد ذكرنَا الْآن مَا قَالَ لَهَا أَبُو السنابل. قَوْله: (فَقلت إِنِّي لجريء) أَي: صَاحب جَرَاءَة غير متسحي. قَوْله: (على رجل فِي جَانب الْكُوفَة) أَرَادَ بِهِ عبد الله بن عتبَة وَكَانَ سكن الْكُوفَة وَمَات بهَا فِي زمن عبد الْملك بن مَرْوَان. قَوْله: (قَالَ ثمَّ خرجت) ، أَي: قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين. قَوْله: (فَلَقِيت مَالك بن عَامر) الْهَمدَانِي، يكنى بِأبي عَطِيَّة قَالَ الْكرْمَانِي الصحابيّ باخْتلَاف، وَقَالَ الذَّهَبِيّ: مَالك بن عَامر الوداعي تَابِعِيّ كُوفِي، يُقَال أدْرك الْجَاهِلِيَّة. قَوْله: (أَو مَالك بن عَوْف) ، شكّ من الرَّاوِي، وَهُوَ مَالك بن عَوْف بن نَضْلَة بن جريج بن حبيب الْجُشَمِي صَاحب ابْن مَسْعُود. قَوْله: (وَهِي حَامِل) ، الْوَاو وَفِيه حَال. قَوْله: (أَتَجْعَلُونَ عَلَيْهَا التَّغْلِيظ) ؟ أَي: طول الْعدة بِالْحملِ إِذا زَادَت مدَّته على مُدَّة الْأَشْهر. وَقد يَمْتَد ذَلِك حَتَّى تجَاوز تِسْعَة أشهر إِلَى أَربع سِنِين أَي: إِذا جعلتم التَّغْلِيظ عَلَيْهَا فاجعلوا لَهَا الرُّخْصَة إِذا وضعت أقل من أَرْبَعَة أشهر. قَوْله: (لنزلت) ، اللَّام فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (سُورَة النِّسَاء الْقصرى) ، وَهِي سُورَة الطَّلَاق، وفيهَا {وَأولَات الْأَحْمَال أَجلهنَّ أَن يَضعن حَملهنَّ} (الطَّلَاق: ٤) . قَوْله: (بعد الطُّولى) ، لَيْسَ المُرَاد مِنْهَا سُورَة النِّسَاء، وَإِنَّمَا المُرَاد السُّورَة الَّتِي هِيَ أطول جَمِيع السُّور الْقُرْآن يَعْنِي سُورَة الْبَقَرَة، وفيهَا: {وَالَّذين يتوفون مِنْكُم ويذرون أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَة أشهر وَعشرا} (الْبَقَرَة: ٢٣٤) وَقَالَ الْخطابِيّ: حمل ابْن مَسْعُود على النّسخ أَي جعل مَا فِي الطَّلَاق نَاسِخا لما فِي الْبَقَرَة، وَكَانَ ابْن عَبَّاس يجمع عَلَيْهَا العدتين فَتعْتَد أقصاهما وَذَلِكَ لِأَن أحداهما ترفع الْأُخْرَى، فَلَمَّا أمكن الْجمع بَينهمَا جمع، وَأما عَامَّة الْفُقَهَاء فَالْأَمْر عِنْدهم مَحْمُول على التَّخْصِيص لخَبر سبيعة الأسْلَمِيَّة.
وَقَال أيُّوبُ عنْ مُحَمَّدٍ لَقِيتُ أبَا عَطِيَّةَ مَالِك بنَ عَامِرٍ
أَي قَالَ أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين إِنَّه قَالَ: لقِيت أَبَا عَطِيَّة مَالك بن عَامر، يَعْنِي: لم يشك فِيهِ.
٤٢ - (بابُ: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الوُسْطَى} (الْبَقَرَة: ٢٣٨)
أَي: هَذَا بَاب فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {حَافظُوا على الصَّلَوَات وَالصَّلَاة الْوُسْطَى} أَي: الْوُسْطَى بَين الصَّلَوَات، وَالْوُسْطَى تَأْنِيث الْأَوْسَط، والأوسط الأعدل من كل شَيْء، وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ التَّوَسُّط بَين الشَّيْئَيْنِ لِأَن الْوُسْطَى على وزن: فعلى، للتفضيل. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ أَي: الفضلى، من قَوْلهم للأفضل الْأَوْسَط، وَإِنَّمَا أفردت وعطفت على الصَّلَوَات لانفرادها بِالْفَضْلِ وَهِي صَلَاة الْعَصْر عِنْد الْأَكْثَرين وَقد بسطنا الْكَلَام فِيهِ فِي (شرح كتاب الطَّحَاوِيّ) .
٤٥٣٣ - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ حدَّثنا يَزِيدُ أخْبَرَنا هِشامٌ عنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عنْ عَلِيٍّ رَضِي الله عنهُ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وحدَّثني عبْدُ الرَّحْمانِ يَحْيَى بنُ سَعَيد قَالَ هِشامٌ حدَّثنا مُحَمَّدٌ عَنْ عَبِيدَةَ عنْ عَلِيّ رَضِي الله عَنهُ أنّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قالَ يَوْمَ الخَنْدَقِ حَبَسُونا عَنْ صَلاة الوُسْطَى حتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ مَلأَ الله قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ أوْ أجْوَافَهُمْ شَكَّ يَحْيَى نَارا.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (عَن صَلَاة الْوُسْطَى) وَأخرجه من طَرِيقين (الأول) : عَن عبد الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ البُخَارِيّ الْمَعْرُوف بالمسندي عَن يزِيد من الزِّيَادَة ابْن هَارُون الوَاسِطِيّ عَن هِشَام بن حسان الفردوسي عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن عُبَيْدَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة السَّلمَانِي عَن عَليّ بن أبي طَالب. (وَالثَّانِي) : عَن عبد الرَّحْمَن بن بشر بن الحكم عَن يحيى بن سعيد الْقطَّان، وَمضى الحَدِيث فِي غَزْوَة الخَنْدَق.
قَوْله: (حبسونا) ، أَي: منعونا عَن صَلَاة الْوُسْطَى. أَي: إيقاعها فِي وَقتهَا وَإِضَافَة الصَّلَاة إِلَى الْوُسْطَى من إِضَافَة الْمَوْصُوف إِلَى الصّفة. كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {بِجَانِب الغربي} (الْقَصَص: ٤٤) وفيهَا خلاف بَين الْبَصرِيين والكوفيين، فأجازها الْكُوفِيُّونَ ومنعها البصريون، وَفِي رِوَايَة مُسلم شغلونا عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى صَلَاة الْعَصْر، وَقد اخْتلفُوا فِيهِ، وَالْجُمْهُور على أَنَّهَا صَلَاة الْعَصْر، وَبِه قَالَ ابْن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب أبي حنيفَة، وَقَول أَحْمد وَالَّذِي صَار إِلَيْهِ مُعظم الشَّافِعِيَّة، وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ قَول أَكثر عُلَمَاء الصَّحَابَة، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ: هُوَ قَول جُمْهُور التَّابِعين، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: وَهُوَ قَول أَكثر أهل الأثروبة، قَالَ من الْمَالِكِيَّة ابْن حبيب وَابْن الْعَرَبِيّ وَابْن عَطِيَّة.
وَقد جمع الْحَافِظ الدمياطي فِي ذَلِك كتابا سَمَّاهُ (كشف المغطى عَن الصَّلَاة الْوُسْطَى) . وَذكر فِيهَا تِسْعَة عشرَة قولا الأول: إِنَّهَا الصُّبْح، وَهُوَ قَول أبي أُمَامَة وَأنس وَجَابِر وَأبي الْعَالِيَة وَعبيد بن عُمَيْر وَعَطَاء وَعِكْرِمَة وَمُجاهد، نَقله ابْن أبي حَاتِم عَنْهُم، وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ، نَص عَلَيْهِ فِي (الْأُم) وَالثَّانِي: إِنَّهَا الظّهْر، وَهُوَ قَول زيد بن ثَابت وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وروى ابْن الْمُنْذر عَن أبي سعيد وَعَائِشَة أَنَّهَا الظّهْر، وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة. وَالثَّالِث: أَنَّهَا الْعَصْر، وَمر الْكَلَام فِيهِ الْآن. وَالرَّابِع: أَنَّهَا الْمغرب. نَقله ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد حسن عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: الصَّلَاة الْوُسْطَى هِيَ الْمغرب، وَبِه قَالَ قبيصَة بن ذُؤَيْب، لِأَنَّهَا لَا تقصر فِي السّفر، وَلِأَن قبلهَا صلاتا السِّرّ، وَبعدهَا صلاتا الْجَهْر. وَالْخَامِس: أَنَّهَا جَمِيع الصَّلَوَات أخرجه ابْن أبي حَاتِم بِإِسْنَاد حسن عَن نَافِع، قَالَ: سُئِلَ ابْن عمر، فَقَالَ: هِيَ كُلهنَّ، وَبِه قَالَ معَاذ ابْن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. السَّادِس: أَنَّهَا الْجُمُعَة ذكره ابْن حبيب من الْمَالِكِيَّة. السَّابِع: الظّهْر فِي الْأَيَّام وَالْجُمُعَة يَوْم الْجُمُعَة. الثَّامِن: الْعشَاء نَقله بن التِّين والقرطبي لِأَنَّهَا بَين صَلَاتَيْنِ لَا تقصران وَاخْتَارَهُ الْوَاقِدِيّ. التَّاسِع: الصُّبْح وَالْعشَاء للْحَدِيث الصَّحِيح فِي أَنَّهُمَا أنقل الصَّلَاة على الْمُنَافِقين، وَبِه قَالَ الْأَبْهَرِيّ من الْمَالِكِيَّة. الْعَاشِر: الصُّبْح وَالْعصر لقُوَّة الْأَدِلَّة فِي أَن كلاًّ مِنْهُمَا قيل فِيهِ: إِنَّه الْوُسْطَى. الْحَادِي عشر: صَلَاة الْجَمَاعَة. الثَّانِي عشر) الْوتر، وصنف فِيهِ علم الدّين السخاوي جُزْءا. الثَّالِث عشر: صَلَاة الْخَوْف. الرَّابِع عشر: صَلَاة عيد الْأَضْحَى. الْخَامِس عشر: صَلَاة عيد الْفطر. السَّادِس عشر: صَلَاة الضُّحَى. السَّابِع عشر: وَاحِدَة من الْخمس غير مُعينَة، قَالَه سعيد بن جُبَير، وَشُرَيْح القَاضِي وَهُوَ اخْتِيَار إِمَام الْحَرَمَيْنِ من الشَّافِعِيَّة ذكره فِي (النِّهَايَة) . الثَّامِن