لبعيد الشقة، أَي: بعيد السّفر، قَوْله: (ندخل بِهِ الْجنَّة) ، وَقع هُنَا بِغَيْر الْوَاو، وَهُنَاكَ بِالْوَاو، وَيجوز فِيهِ الرّفْع والجزم، أما الرّفْع فعلى أَنه حَال أَو اسْتِئْنَاف أَو بدل أَو صفة بعد صفة. وَأما الْجَزْم فعلى أَنه جَوَاب الْأَمر. فَإِن قلت: الدُّخُول لَيْسَ هَيْئَة لَهُم فَكيف يكون حَالا؟ قلت: حَال مقدرَة: وَالتَّقْدِير: نخبر مقدرين دُخُول الْجنَّة، وَفِي بعض النّسخ: نخبر، بِالْجَزْمِ أَيْضا، وعَلى هَذِه الرِّوَايَة: تدخل، بدل مِنْهُ، أَو هُوَ جَوَاب لِلْأَمْرِ بعد جَوَاب. قَوْله: (وتعطوا) كَذَا وَقع بِدُونِ النُّون، لِأَنَّهُ مَنْصُوب بِتَقْدِير: أَن، لِأَن الْمَعْطُوف عَلَيْهِ اسْم، وروى أَحْمد عَن غنْدر، فَقَالَ: (وَأَن تعطوا) ، فَكَأَن الْحَذف من شيخ البُخَارِيّ. قَوْله: (قَالَ شُعْبَة) وَرُبمَا قَالَ: أَي أَبُو جَمْرَة النقير، بِفَتْح النُّون وَكسر الْقَاف: وَهُوَ الْجذع المنقور. قَوْله: (وَرُبمَا قَالَ. المقير) أَي: وَرُبمَا قَالَ أَبُو جَمْرَة. المقير. قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: فَإِذا قَالَ المقير يلْزم التّكْرَار، لِأَنَّهُ هُوَ المزفت. قلت: حَيْثُ قَالُوا: المزفت هُوَ المقير تجوزوا، إِذْ الزفت هُوَ شَيْء يشبه القار. انْتهى. قلت: تَحْرِير هَذَا الْموضع أَنه لَيْسَ المُرَاد أَنه كَانَ يتَرَدَّد فِي هَاتين اللفظتين ليثبت إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى لِأَنَّهُ على هَذَا التَّقْدِير يلْزم التّكْرَار الْمَذْكُور، بل المُرَاد أَنه كَانَ جَازِمًا بِذكر الْأَلْفَاظ الثَّلَاثَة الأول، شاكاً فِي الرَّابِع، وَهُوَ: النقير، فَكَانَ تَارَة يذكرهُ وَتارَة لَا يذكرهُ، وَكَانَ أَيْضا شاكاً فِي التَّلَفُّظ بالثالث: أَعنِي: المزفت، فَكَانَ تَارَة يَقُول: المزفت، وَتارَة يَقُول: المقير، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه جزم بالنقير فِي الْبَاب السَّابِق، وَلم يتَرَدَّد إلَاّ فِي المزفت والمقير فَقَط. قَوْله: (واخبروا) بِفَتْح الْهمزَة بِدُونِ الضَّمِير فِي آخِره فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَعند غَيره: (وَأَخْبرُوهُ) بالضمير.
وَقَالَ ابْن بطال: وَفِيه أَن من علم علما أَنه يلْزمه تبليغه لمن لَا يُعلمهُ، وَهُوَ الْيَوْم من فروض الْكِفَايَة لظُهُور الْإِسْلَام وانتشاره، وَأما فِي أول الْإِسْلَام فَإِنَّهُ كَانَ فرضا معينا أَن يبلغهُ حَتَّى يكمل الْإِسْلَام ويبلغ مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا، وَفِيه أَنه يلْزم تَعْلِيم أهل الْفَرَائِض لعُمُوم لفظ: (من وراءكم) ، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
٢٦ - (بَاب الرِّحْلةِ فِي المَسْألَةِ النَّازِلِةِ وتَعْلِيمِ أهْلِهِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الرحلة، وَهُوَ بِكَسْر الرَّاء: الارتحال، من: رَحل يرحل إِذا مضى فِي سفر، ورحلت الْبَعِير أرحله رحلاً: إِذا شددت عَلَيْهِ الرحل، وَهُوَ للبعير أَصْغَر من القتب، وَهُوَ من مراكب الرِّجَال دون النِّسَاء. وَقَالَ بَعضهم: الرحلة، بِالْكَسْرِ، من الارتحال. قلت: الْمصدر لَا يشتق من الْمصدر وَقَالَ ابْن قرقول: الرحلة، بِكَسْر الرَّاء، ضبطناه عَن شُيُوخنَا، وَمَعْنَاهُ: الارتحال. وَحكى أَبُو عُبَيْدَة ضمهَا قلت: الرحلة بِالضَّمِّ، الْوَجْه الَّذِي تريده. قَالَ: أَبُو عَمْرو: يُقَال أَنْتُم رحلتي أَي: الَّذِي ارتحل إِلَيْهِم. وَقَالَ الْأمَوِي: الرحلة، بِالضَّمِّ: جودة الشَّيْء. وَفِي (الْعباب) : بعير مرحل، بِكَسْر الْمِيم، و: ذُو رحْلَة إِذا كَانَ قَوِيا على السّير، قَالَه الْفراء. قَوْله: (وَتَعْلِيم أَهله) ، بِالْجَرِّ عطف على الرحلة، وَهَذَا اللَّفْظ فِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة غَيرهَا، وَالصَّوَاب حذفه لِأَنَّهُ يَأْتِي فِي بَاب آخر.
فَإِن قلت: قد تقدم: بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم، وَهَذَا الْبَاب أَيْضا بِهَذَا الْمَعْنى، فَيكون تَكْرَارا. قلت: لَيْسَ بتكرار بل بَينهمَا فرق، لِأَن هَذَا لطلب الْعلم فِي مَسْأَلَة خَاصَّة وَقعت للشَّخْص وَنزلت بِهِ، وَذَاكَ لَيْسَ كَذَلِك. فَإِن قلت: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ؟ قلت: من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِي الْبَاب الأول التحريض على الْعلم، والمحرض من شدَّة تحرضه قد يرحل إِلَى الْمَوَاضِع لطلب الْعلم، وَلَا سِيمَا لنازلة تنزل بِهِ.
٨٨ - حدّثنا مُحمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ أَبُو الحَسَنِ قَالَ: أخْبرنا عَبْدُ اللَّهِ قالَ: أخْبرنا عُمَرُ بنُ سَعِيدِ بن أبي حُسَيْنٍ قَالَ: حدّثني عَبْدُ اللَّهِ بنُ أبي مُلَيْكَةَ عنْ عُقْبَةَ بنِ الحارِثِ أنَّهُ تَزَوَّجَ ابنَةً لأبي إِهابِ بنِ عَزِيزِ، فَأتَتْهُ امْرَأةٌ فَقالَتْ: إِنِّي قَدْ أَرضَعْتُ عُقْبَةَ والَّتِي تَزَوَّجَ، فقالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أعْلَمُ أنَّكِ أرْضَعْتِنِي وَلا أخْبَرْتِنِي، فَرَكِبَ إِلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالمَدِينَة فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كَيْفَ وقَدْ قِيلَ) . فَفارَقَها عُقْبَةُ ونَكَحَتْ زَوْجاً غَيَرَهُ..
مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي قَوْله: (فَركب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُطَابق قَوْله: (وَتَعْلِيم أَهله)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute