للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حِين دخل مَكَّة قَالَ: لَا يقتل أحد إلَاّ من قَاتل إلَاّ نَفرا سماهم، فَقَالَ: اقْتُلُوهُمْ وَإِن وَجَدْتُمُوهُمْ تَحت أَسْتَار الْكَعْبَة، مِنْهُم: عبد الله بن خطل وَعبد الله بن سعد) . وَإِنَّمَا أَمر بقتل ابْن خطل لِأَنَّهُ كَانَ مُسلما، فَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَكَانَ مَعَه مولى يَخْدمه وَكَانَ مُسلما، فَنزل منزلا فَأمر الْمولى أَن يذبح تَيْسًا ويصنع لَهُ طَعَاما ونام، واستيقظ وَلم يصنع لَهُ شَيْئا، فَعدا عَلَيْهِ فَقتله ثمَّ ارْتَدَّ مُشْركًا، وَكَانَت لَهُ قينتان تُغنيَانِ بِهِجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ أَبُو عمر: لِأَنَّهُ كَانَ أسلم وَبَعثه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُصدقا وَبعث مَعَه رجلا من الْأَنْصَار وَأمر عَلَيْهِم الْأنْصَارِيّ، فَلَمَّا كَانَ بِبَعْض الطَّرِيق وثب على الْأنْصَارِيّ فَقتله وَذهب بِمَالِه. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : وروينا فِي مجَالِس الْجَوْهَرِي أَنه كَانَ يكْتب الْوَحْي للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ إِذا نزل: غَفُور رَحِيم، يكْتب: رَحِيم غَفُور، وَإِذا أنزل: سميع عليم، وَذكره بِإِسْنَادِهِ إِلَى الضَّحَّاك عَن النزال بن سُبْرَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَكَانَ يُقَال لِابْنِ خطل: ذَا القلبين، وَفِيه نزل قَوْله: {مَا جعل الله لرجل من قلبين فِي جَوْفه} (الْأَحْزَاب: ٤) . فِي رِوَايَة يُونُس عَن ابْن إِسْحَاق: لما قتل يَعْنِي ابْن خطل قَالَ سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَا يقتل قرشي صبرا بعد هَذَا الْيَوْم، وَقيل: قَالَ هَذَا فِي غَيره. وَهُوَ الْأَكْثَر، وَالله أعلم.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: من ذَلِك أَن الحَدِيث فِيهِ دلَالَة على جَوَاز دُخُول مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام. فَإِن قلت: يحْتَمل أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ محرما، وَلكنه غطى رَأسه لعذر. قلت: قد مر فِي حَدِيث مُسلم عَن جَابر أَنه لم يكن محرما. فَإِن قلت: يشكل هَذَا من وَجه آخر، وَهُوَ أَنه. صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ متأهبا لِلْقِتَالِ، وَمن كَانَ هَذَا شَأْنه جَازَ لَهُ الدُّخُول بِغَيْر إِحْرَام قلت: حَدِيث جَابر أَعم من هَذَا، فَمن لم يرد نسكا جَازَ دُخُوله لِحَاجَتِهِ، تكَرر: كالحطاب والحشاش والسقَّاء والصياد وَغَيرهم، أم لم يتَكَرَّر: كالتاجر والزائر وَغَيرهمَا، وَسَوَاء كَانَ آمنا أَو خَائفًا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهَذَا أصح الْقَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ، وَبِه يُفْتِي أَصْحَابه. وَالْقَوْل الثَّانِي: لَا يجوز دُخُولهَا بِغَيْر إِحْرَام إِن كَانَت حَاجته لَا تكَرر إلَاّ أَن يكون مُقَاتِلًا أَو خَائفًا من قتال أَو من ظَالِم لَو ظهر، وَنقل القَاضِي نَحْو هَذَا عَن أَكثر الْعلمَاء. انْتهى. وَاحْتج أَيْضا من أجَاز دُخُولهَا بِغَيْر إِحْرَام أَن فرض الْحَج مرّة فِي الدَّهْر، وَكَذَا الْعمرَة، فَمن أوجب على الدَّاخِل إحراما فقد أوجب عَلَيْهِ غير مَا أوجب الله. وَمِنْه: اسْتِدْلَال بَعضهم بِحَدِيث الْبَاب على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتح مَكَّة عنْوَة، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة والأكثرين. وَقَالَ الشَّافِعِي وَغَيره: فتحت صلحا، وتأولوا هَذَا الحَدِيث على أَن الْقِتَال كَانَ جَائِزا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَّة، وَلَو احْتَاجَ إِلَيْهِ لفعله، وَلَكِن مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَالحهمْ، وَلَكِن لما لم يَأْمَن غدرهم دخل متأهبا. قلت: لَا يعرف فِي شَيْء من الْأَخْبَار صَرِيحًا أَنه صَالحهمْ. وَمِنْه: اسْتِدْلَال بَعضهم على جَوَاز إِقَامَة الْحُدُود وَالْقصاص فِي حرم مَكَّة، قُلْنَا: قَالَ الله تَعَالَى: {وَمن دخله كَانَ آمنا} (آل عمرَان: ٦٩) . وَمَتى تعرض إِلَى من التجأ بِهِ يكون سلب الْأَمْن عَنهُ، وَهَذَا لَا يجوز، وَكَانَ قتل ابْن خطل فِي السَّاعَة الَّتِي أحلّت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَمِنْه: اسْتِدْلَال جمَاعَة من الْمَالِكِيَّة على جَوَاز قتل من سبّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَنه يقتل وَلَا يُسْتَتَاب. وَقَالَ أَبُو عمر: فِيهِ نظر، لِأَن ابْن خطل كَانَ حَرْبِيّا وَلم يدْخلهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي أَمَانه لأهل مَكَّة، بل اسْتَثْنَاهُ مَعَ من اسْتثْنى. وَمِنْه: مَشْرُوعِيَّة لبس المغفر وَغَيره من آلَات السِّلَاح حَال الْخَوْف من الْعَدو، وَأَنه لَا يُنَافِي التَّوَكُّل. وَمِنْه: جَوَاز رفع أَخْبَار أهل الْفساد إِلَى وُلَاة الْأَمر، وَلَا يكون ذَلِك من الْغَيْبَة الْمُحرمَة وَلَا النميمة.

٩١ - (بَاب إذَا أحْرَمَ جاهِلاً وعلَيْهِ قَمِيصٌ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا أحرم شخص حَال كَونه جَاهِلا بِأُمُور الْإِحْرَام، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ قَمِيصًا وَلم يدر هَل عَلَيْهِ فديَة فِي ذَلِك أم لَا؟ وَإِنَّمَا لم يذكر الْجَواب لِأَن حَدِيث الْبَاب لَا يُصَرح بِعَدَمِ وجوب الْفِدْيَة. ألَا ترى أَنه ذكر أَولا أثر عَطاء بن أبي رَبَاح الَّذِي هُوَ رَاوِي حَدِيث الْبَاب، وَلَو كَانَ فهم مِنْهُ وجوب الْفِدْيَة لما خَفِي عَلَيْهِ، فَلذَلِك قَالَ: لَا فديَة عَلَيْهِ.

وَقَالَ عَطَاءٌ إذَا تَطَيَّبَ أوْ لَبِسَ جاهِلاً أوْ نَاسِيا فَلَا كَفَّارةَ عَلَيْهِ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح. قَوْله: (إِذا تطيب) ، أَي: الْمحرم: وجاهلاً وناسيا، حالان، وَيَقُول عَطاء: قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>