للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْأَحْمَر: البلاغة لمحة دَالَّة، وَقَالَ الْخَلِيل: البلاغة كلمة تكشف عَن البغية، وَقيل: الإيجاز من غير عجز والإطناب من غير خطأ، وَقيل: البلاغة معرفَة الْوَصْل والفصل، وَقيل: أَن يدل أول الْكَلَام على آخِره وَآخره على أَوله، وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة: (وَلَعَلَّ بَعْضكُم أَن يكون أَلحن بحجته من بعض، فَمن قطعت لَهُ من حق أَخِيه قِطْعَة، فَإِنَّمَا أقطع لَهُ قِطْعَة من النَّار) . واللحن، بِالتَّحْرِيكِ. قَالَ الْخطابِيّ: الفطنة، وَقد لحن، بِالْكَسْرِ يلحن لحناً بِسُكُون الْحَاء: الْخَطَأ فِي الْإِعْرَاب. قَوْله: (فأحسب) بِالنّصب عطف على قَوْله: أَن يكون أبلغ، وَأدْخل: أَن تَشْبِيها للعل بعسى. قَوْله: (فَمن قضيت) أَي: حكمت لَهُ بِحَق مُسلم، إِنَّمَا ذكر مُسلما تَغْلِيبًا أَو اهتماماً بِحَالهِ أَو نظرا، إِلَى لفظ بَعْضكُم، فَإِنَّهُ خطاب للْمُؤْمِنين. قَوْله: (قِطْعَة من النَّار) ، أَي: هُوَ حرَام مآله النَّار. قَوْله: (فليأخذها) ، أَمر تهديد لَا تَخْيِير، كَقَوْلِه تَعَالَى: {فَمن شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر} (الْكَهْف: ٩٢) . وَكَقَوْلِه: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُم} (فصلت: ٠٤) [/ ح.

ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: دلَالَة على الحكم بِالظَّاهِرِ تَشْرِيفًا للْأمة، وَهُوَ كَقَوْلِه: (أمرت أَن أقَاتل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلاه إلَاّ الله) ، وَقَوله فِي حَدِيث المتلاعنين: (لَوْلَا الْإِيمَان لَكَانَ لي وَلها شَأْن) ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَقد رُوِيَ فِي هَذَا إِنَّمَا أحكم بِمَا أسمع، وَإِنَّمَا للحصر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا أحكم إلَاّ بِمَا أسمع، وَقد اخْتلف فِي هَذَا فَقَالَ مَالك، فِي الْمَشْهُور عَنهُ: أَن الْحَاكِم لَا يحكم بِعِلْمِهِ فِي شَيْء، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق: وَأَبُو عبيد وَالشعْبِيّ، وروى عَن شُرَيْح. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى: أَنه يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي كل شَيْء من الْأَمْوَال وَالْحُدُود. وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. وَذَهَبت طَائِفَة إِلَى التَّفْرِيق، فَمنهمْ من قَالَ: يقْضِي بِعِلْمِهِ بِمَا سَمعه فِي مجْلِس قَضَائِهِ خَاصَّة لَا قبله وَلَا فِي غَيره، إِذا لم يحضر مَجْلِسه بيِّنة فِي الْأَمْوَال بِعِلْمِهِ خَاصَّة، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَجَمَاعَة من أَصْحَاب مَالك، وحكوه عَنهُ أَيْضا. وَمِنْهُم من قَالَ: يحكم بِمَا سَمعه فِي مجْلِس قَضَائِهِ وَفِي غَيره، لَا قبل قَضَائِهِ وَلَا فِي غير مصره، فِي الْأَمْوَال خَاصَّة، سَوَاء سمع ذَلِك فِي مجْلِس قَضَائِهِ أَو فِي غَيره لَا قبل ولَايَته أَو بعْدهَا، وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي. قَالَ: وَذهب بعض أَصْحَابنَا إِلَى أَنه يقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَال وَالْقَذْف خَاصَّة، وَلم يشْتَرط مجْلِس الْقَضَاء. وَاتَّفَقُوا على أَنه يحكم بِعِلْمِهِ فِي الْجرْح وَالتَّعْدِيل، لِأَن ذَلِك ضَرُورِيّ فِي حَقه، وَقَالَ الْمُهلب: دلّ الحَدِيث على أَن الْقوي على الْبَيَان البليغ فِي تأدية الْحجَّة يبلغ بِالْبَاطِلِ مَا يقْضِي لَهُ على خَصمه، وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يحل لَهُ مَا حرم الله عَلَيْهِ، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: {وتدلوا بهَا إِلَى الْحُكَّام لتأكلوا فريقاً من أَمْوَال النَّاس} (الْبَقَرَة: ٨٨١) . وَفِيه: دلَالَة أَن الْبَيِّنَة مسموعة بعد الْيَمين، وَهُوَ الَّذِي فهمه البُخَارِيّ وَبَوَّبَ لَهُ بعد: بَاب من أَقَامَ الْبَيِّنَة بعد الْيَمين. وَفِيه: دلَالَة على حكمه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بِالِاجْتِهَادِ. قَالَ عِيَاض: وَهُوَ قَول الْمُحَقِّقين، قَالَه الْخطابِيّ. وَفِيه: دَلِيل على أَنه لَيْسَ كل مُجْتَهد مصيباً، وَأَن إِثْم الْخَطَأ مَرْفُوع عَنهُ إِذا اجْتهد. وَفِيه: الْعَمَل بِالظَّنِّ، قَالَ: فأحسب أَنه صدق، وَهُوَ أَمر لم يخْتَلف فِيهِ فِي حق الْحَاكِم، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: ذهب قوم إِلَى أَن كل مَا يقْضِي بِهِ الْحَاكِم من تمْلِيك مَال وَإِزَالَة ملك أَو إِثْبَات نِكَاح أَو طَلَاق أَو مَا أشبه ذَلِك على مَا حكم، وَإِن كَانَ فِي الْبَاطِن على خلاف مَا شهد بِهِ الشَّاهِدَانِ، وعَلى خلاف مَا حكم بِشَهَادَتِهِمَا على الحكم الظَّاهِر، لم يكن قَضَاء القَاضِي مُوجبا شَيْئا من تمْلِيك وَلَا تَحْلِيل وَلَا تَحْرِيم، وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك: أَبُو يُوسُف، وَخَالفهُم آخَرُونَ فَقَالُوا: مَا كَانَ ذَلِك من تمْلِيك مَال فَهُوَ على حكم الْبَاطِن، وَمَا كَانَ من ذَلِك من قَضَاء بِطَلَاق أَو نِكَاح بِشُهُود ظَاهِرهمْ الْعَدَالَة وَبَاطِنهمْ الجرحة، فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم على ظَاهِرهمْ، فَإِنَّهُ ينفذ ظَاهرا وَبَاطنا، وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد، رحمهمَا الله.

٧١ - (بابُ إذَا خاصَمَ فَجَرَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: (إِثْم من إِذا خَاصم فجر) ، من الْفُجُور، وَهُوَ الْكَذِب والفسوق والعصيان، وأصل الْفجْر: الشق وَالْفَتْح، يُقَال فجر المَاء إِذا شقَّه، وَمِنْه: فجر الصُّبْح، وَكَأن الْفَاجِر يفتح مَعْصِيّة ويتسع فِيهَا.

٩٥٤٢ - حدَّثنا بِشْرُ بنُ خَالِدٍ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّدٌ عنْ شُعْبَةَ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ عَبْدِ الله بنِ مُرَّةَ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمْروٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>