للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦ - (كِتابُ المَناقِبِ)

أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان المناقب، وَهُوَ جمع المنقبة، وَهِي ضد المثلبة، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بَاب المناقب، وَالْأول أولى، لِأَن الْكتاب يجمع الْأَبْوَاب وَفِيه أَبْوَاب كَثِيرَة تتَعَلَّق بأَشْيَاء كَثِيرَة على مَا لَا يخفى.

١ - (بابُ قَوْلِ الله تَعالى {يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وأنْثَى وجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبَاً وقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتْقَاكُمْ} (الحجرات: ٣١) . وَقَولُهِ {واتَّقُوا الله الَّذي تَسَّاءَلُونَ بِهِ الأرْحَامَ إنَّ الله كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبَاً} (النِّسَاء: ١) .)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول الله تَعَالَى: {يَا أَيهَا النَّاس ... } (الحجرات: ٣١) . إِلَى آخِره، ذكر هَذَا ليبني عَلَيْهِ تَفْسِير الشعوب والقبائل وَمَا يتَعَلَّق بهَا، وَاعْلَم أَن هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة نزلت فِي ثَابت بن قيس، وَقَوله للرجل الَّذِي لم يفسح لَهُ: ابْن فُلَانَة، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: من الذاكر فُلَانَة؟ فَقَامَ ثَابت بن قيس. فَقَالَ: أَنا يَا رَسُول الله! قَالَ: أنظر فِي وُجُوه الْقَوْم، فَنظر إِلَيْهَا. فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا رَأَيْت يَا ثَابت؟ قَالَ: رَأَيْت أَبيض وأسود وأحمر، قَالَ: فَإنَّك لَا تفضلهم إلَاّ فِي الدّين وَالتَّقوى، فَأنْزل الله فِي ثَابت هَذِه الْآيَة.

قَوْله: (من ذكر آدم عَلَيْهِ السَّلَام، وَأُنْثَى) ، حَوَّاء، عَلَيْهَا السَّلَام، وَقيل: خلقنَا كل وَاحِد مِنْكُم من أَب وَأم فَمَا مِنْكُم أحد إلَاّ وَهُوَ يُدْلِي مَا يُدْلِي بِهِ الآخر سَوَاء بِسَوَاء، فَلَا وَجه للتفاخر والتفاضل فِي النّسَب. قَوْله: (وجعلناكم شعوباً) ، وَهِي رُؤُوس الْقَبَائِل وجمهورها، قيل: ربيعَة وَمُضر والأوس والخزرج، وَاحِدهَا: شعب، بِفَتْح الشين، والشعب الطَّبَقَة الأولى من الطَّبَقَات السِّت الَّتِي عَلَيْهَا الْعَرَب، وَهِي: الشّعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة. فالشعب يجمع الْقَبَائِل، والقبائل تجمع العمائر، والعمائر تجمع الْبُطُون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل. خُزَيْمَة شعب، وكنانة قَبيلَة، وقريش عمَارَة، وقصي بطن، وهَاشِم فَخذ، وَالْعَبَّاس فصيلة، وَسميت الشعوب: شعوباً لِأَن الْقَبَائِل تتشعب مِنْهَا. وَقَالَ صَاحب (المنتهي) : مَا تشعب من قبائل الْعَرَب والعجم، والشعوب الْأُمَم الْمُخْتَلفَة، فالعرب شعب وَفَارِس شعب وَالروم شعب وَالتّرْك شعب. وَفِي (الموعب) : الشّعب مِثَال كَعْب وَعَن ابْن الْكَلْبِيّ: بِالْكَسْرِ، وَفِي (نَوَادِر الهجري) : لم يسمع فصيحاً بِكَسْر الشين، وَفِي (الْمُحكم) : الشّعب هُوَ الْقَبِيلَة نَفسهَا وَقد غلبت الشعوب بِلَفْظ الْجمع على جيل الْعَجم، وَفِي (تَهْذِيب) الْأَزْهَرِي: أخذت الْقَبَائِل من قبائل الرَّأْس لاجتماعها، وَفِي (الصِّحَاح) قبائل الرَّأْس هِيَ الْقطع المشعوب بَعْضهَا إِلَى بعض تصل بهَا الشؤون، وَقَالَ الزّجاج: الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، كالسبط من ولد إِسْحَاق، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، سموا بذلك ليفرق بَينهمَا، وَمعنى: الْقَبِيلَة من ولد إِسْمَاعِيل معنى الْجَمَاعَة، يُقَال: لكل جمَاعَة من وَاحِد: قَبيلَة، وَيُقَال لكل جمع على شَيْء وَاحِد: قبيل، أَخذ من قبائل الشَّجَرَة وَهِي أَغْصَانهَا، وَذكر ابْن الهبارية فِي كِتَابَة تِلْكَ الْمعَانِي: أَن الْقَبَائِل من ولد عدنان مِائَتَان وَسبع وَأَرْبَعُونَ قَبيلَة، والبطون من وَلَده مِائَتَان وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ بَطنا والأفخاذ خَمْسَة عشر فخذاً غير أَوْلَاد أبي طَالب. وَذكر أهل اللُّغَة: أَن الشعوب مثل مُضر وَرَبِيعَة، والقبائل دون ذَلِك مثل قُرَيْش وَتَمِيم، ثمَّ العمائر جمع عميرَة، ثمَّ الْبُطُون جمع بطن، ثمَّ الأفخاذ جمع فَخذ، وَقسم الجواني الْعَرَب إِلَى عشر طَبَقَات: الجذم ثمَّ الْجُمْهُور ثمَّ الشّعب ثمَّ الْقَبِيلَة ثمَّ الْعِمَارَة ثمَّ الْبَطن ثمَّ الْفَخْذ ثمَّ الْعَشِيرَة ثمَّ الفصيلة ثمَّ الرَّهْط. قَوْله: (لتعارفوا) ، أَي: ليعرف بَعْضكُم بَعْضًا فِي قرب النّسَب وَبعده، فَلَا يعتري إِلَى غير آبَائِهِ لَا أَن يتفاخروا بِالْآبَاءِ والأجداد، ويدَّعوا التَّفَاضُل والتفاوت فِي الْأَنْسَاب، ثمَّ بيَّن الْفَضِيلَة الَّتِي بهَا يفضل الْإِنْسَان على غَيره ويكتسب الشّرف وَالْكَرم عِنْد الله تَعَالَى فَقَالَ: {إِن أكْرمكُم عِنْد الله أَتْقَاكُم} وَقَالَ مُجَاهِد: (لتعارفوا) ليقال فلَان ابْن فلَان، وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: لتعرفوا، وَأنْكرهُ بعض أهل اللُّغَة. قَوْله: (وَقَوله تَعَالَى: {وَاتَّقوا الله الَّذِي} (النِّسَاء: ١) . إِلَى آخِره أَي: اتَّقوا الله بطاعتكم إِيَّاه. قَالَ إِبْرَاهِيم وَمُجاهد وَالْحسن وَالضَّحَّاك وَالربيع وَغير وَاحِد: الَّذِي تساءلون بِهِ، أَي: كَمَا يُقَال: أَسأَلك بِاللَّه وبالرحم، وَعَن الضَّحَّاك: وَاتَّقوا الله الَّذِي بِهِ تعاقدون وتعاهدون، وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها، وَلَكِن زوروها وصلوها، والأرحام جمع: رحم، وَقَرَأَ عبد الله بن يزِيد المقريء و: الأرحامُ، بِالضَّمِّ على الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف أَي: الأرحامُ مِمَّا يتقى بِهِ، وَالْجُمْهُور على النصب على تَقْدِير: وَاتَّقوا الْأَرْحَام، وقرىء بِالْجَرِّ أَيْضا عطفا على قَوْله: بِهِ، وَفِيه خلاف فَأَجَازَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>