آلَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من نِسائِهِ شَهْرا وقَعَدَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقِيلَ: يَا رسولَ الله إنَّكَ آلَيْتَ علَى شَهْرٍ؟ قَالَ: إنَّ الشَّهْرَ تسعٌ وعِشْرُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِي الْآيَة: {واهجروهن فِي الْمضَاجِع} (النِّسَاء: ٤٣) وَقد هَجرهنَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا على مَا يذكر الْآن، وَبِهَذَا يرد على الْإِسْمَاعِيلِيّ قَوْله: لم يَتَّضِح لي دُخُول الحَدِيث فِي تَرْجَمَة الْبَاب.
وخَالِد بن مخلد بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون الْخَاء وَفتح اللَّام الْقَطوَانِي الْكُوفِي، وَسليمَان هُوَ ابْن بِلَال، وَحميد هُوَ ابْن أبي حميد الطَّوِيل الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث مضى فِي الصَّوْم أخرجه عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله.
قَوْله: (آلى) بِمد الْهمزَة أَي: حلف من الْإِيلَاء، وَلَا يُرَاد بِهِ الْمَعْنى الفقهي بل الْمَعْنى اللّغَوِيّ، وَإِنَّمَا قدم الْمَعْنى اللّغَوِيّ هُنَا على الْمَعْنى الشَّرْعِيّ للقرينة الدَّالَّة على ذَلِك وَهِي كَونهَا شهرا وَاحِدًا، وَكَانَ سَبَب إيلائه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا إفشاء حَفْصَة سره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَذَلِكَ أَنه أصَاب مَارِيَة فِي بَيت حَفْصَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وهجرهن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا وَقعد فِي مشربَة لَهُ وَهِي الغرفة وَقد مر تَفْسِيرهَا عَن قريب. قَوْله: (فَنزل) أَي من الغرفة قَوْله: (لتسْع) أَي عِنْد تسع وَعشْرين لَيْلَة قَوْله: (فَقيل) الْقَائِل هُوَ عَائِشَة، وَقيل: سألة عمر وَغَيره عَن ذَلِك قَوْله: (على شهر) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: إِنَّك آلَيْت شهرا.
٢٩ - (بابُ هَجْرِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَي: إعراضه عَنْهُن وتركهن شهرا، وسكناه فِي غير بُيُوتهنَّ.
ويُذكَرُ عَن مُعاوِيَةَ بنِ حَيْدَةَ رَفْعُهُ غَيْرَ أنْ لَا تهْجَرَ إلَاّ ي البَيْتِ، والأوَّلُ أصَحُّ
مُعَاوِيَة بن حيدة صَحَابِيّ مَشْهُور، وحيدة، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَالدَّال الْمُهْملَة الْمَفْتُوحَة ابْن مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي، مَعْدُود فِي أهل الْبَصْرَة غزا خُرَاسَان وَمَات بهَا وَهُوَ جد بهز بن حَكِيم بن مُعَاوِيَة. قَوْله: (وَيذكر) بِصِيغَة التمريض. قَالَ الْكرْمَانِي: الْمَذْكُور وَلَا يهجر إلَاّ فِي الْبَيْت. (وَرَفعه) جملَة حَالية أَي: وَيذكر عَنهُ: وَلَا يهجر إلَاّ فِي الْبَيْت مَرْفُوعا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَوْله: (وَالْأول) أَي: الهجر فِي غير الْبيُوت أصح إِسْنَادًا من الهجر فِيهَا، وَفِي بَعْضهَا غير أَن لَا يهجر إلَاّ فِي الْبَيْت وَحِينَئِذٍ فَاعل: يذكر هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ فِي غير بُيُوتهنَّ أَي: وَيذكر عَن مُعَاوِيَة رَفعه، غير أَن لَا يهجر أَي رويت عَنهُ قصَّة الهجر مَرْفُوعَة إلَاّ أَنه قَالَ: أَن لَا يهجر إلَاّ فِي الْبَيْت، وَهَذَا الَّذِي لمحه غلط مَحْض، فَإِن مُعَاوِيَة بن حيدة مَا روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه وَلَا يُوجد هَذَا فِي شَيْء من المسانيد وَلَا فِي الْأَجْزَاء، وَلَيْسَ مُرَاد البُخَارِيّ مَا ذكره، وَإِنَّمَا مُرَاده حِكَايَة مَا ورد فِي سِيَاق حَدِيث مُعَاوِيَة بن حيدة، فَإِن فِي بعض طرقه وَلَا يقبح وَلَا يضْرب الْوَجْه غير أَن لَا تهجر إلَاّ فِي الْبَيْت، فَظن الْكرْمَانِي أَن الِاسْتِثْنَاء من تصرف البُخَارِيّ وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ حِكَايَة مِنْهُ عَمَّا ورد من لفظ الحَدِيث. انْتهى.
قلت: نِسْبَة الْكرْمَانِي إِلَى غلط مَحْض غلط مَحْض مِنْهُ، وَفِيه ترك الْأَدَب وَذَلِكَ أَن الْكرْمَانِي مَا تصرف فِي هَذَا الحَدِيث إِلَّا على حسب مَا يَقْتَضِيهِ اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ المذكورتين اللَّتَيْنِ ذكرهمَا، وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن يكون مُعَاوِيَة قد روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نِسَاءَهُ، فَإِن بَاب الرِّوَايَة وَاسع جدا. وَقَوله: فَإِن مُعَاوِيَة بن حيدة مَا روى قصَّة هجر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَزوَاجه وَلَا يُوجد هَذَا فِي شَيْء من المسانيد وَلَا فِي الْأَجْزَاء دَعْوَى بِلَا برهَان، وليت شعري كَيفَ يَدعِي هَذِه الدَّعْوَى وَهُوَ لم يحط بِمَا جَاءَ من المسانيد وَمن الْأَجْزَاء، وَلَا وقف هُوَ على قدر عشر معشار مَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن كَلَام الْكرْمَانِي إِثْبَات وَكَلَامه نفي، وَالْإِثْبَات مقدم لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن مَوْجُود، وَالنَّفْي إِخْبَار عَن مَعْدُوم.
قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) قَول البُخَارِيّ: وَيذكر عَن مُعَاوِيَة إِلَى آخِره، يُرِيد بذلك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قلت: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كتاب النِّكَاح فِي: بَاب حق الْمَرْأَة على الزَّوْج: حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد قَالَ: أخبرنَا أَبُو قزعة سُوَيْد بن حُجَيْر الْبَاهِلِيّ عَن حَكِيم بن مُعَاوِيَة الْقشيرِي عَن أَبِيه قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله! مَا حق زَوْجَة أَحَدنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: (أَن تطعمها إِذا طعمت، وتكسوها إِذا اكتسيت، وَلَا تضرب الْوَجْه وَلَا تقبح وَلَا تهجر إلَاّ فِي الْبَيْت) . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَلَا تقبح، أَي: لَا تَقول: قبحك الله. وَقَالَ الْمُهلب: وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ البُخَارِيّ لَا يكون إلَاّ فِي غير بيُوت الزَّوْجَات من