وَجَابِر بن زيد، وَهَؤُلَاء كلهم فُقَهَاء يحْتَج برواياتهم وآرائهم، وَالَّذين نقلوا مِنْهُم فَكَذَلِك أَيْضا مِنْهُم عَمْرو بن دِينَار وَأَيوب السّخْتِيَانِيّ وَعبد الله بن أبي نجيح فَهَؤُلَاءِ أَيْضا أَئِمَّة يقْتَدى برواياتهم. وَحَدِيث مَيْمُونَة الَّذِي أخرجه مُسلم فِيهِ زيد بن الْأَصَم، وَقد ضعفه عَمْرو بن دِينَار فِي خطابه لِلزهْرِيِّ وَترك الزُّهْرِيّ الْإِنْكَار عَلَيْهِ، وَأخرجه من أهل الْعلم وَجعله أَعْرَابِيًا بوالاً على عقيبة، وَكَيف يكون طعن أَكثر من ذَلِك؟ وقصده من هَذَا الْكَلَام نسبته إِلَى الْجَهْل بِالسنةِ. فَأن قلت: الزُّهْرِيّ احْتج بِهِ قلت احتجابه لَا يَنْفِي طعن عَمْرو بن دِينَار فِيهِ، فَإِن عَمْرو بن دِينَار فِي نَفسه حجَّة ثَبت وَلَا ينقص عَن الزُّهْرِيّ، على أَن بَعضهم قد رجحوه على مثل عَطاء وَمُجاهد وطاووس، وَالَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مَيْمُونَة، فِي إِسْنَاده مطر الْوراق، قَالَ الطَّحَاوِيّ: ومطر عِنْدهم مِمَّن يحْتَج بحَديثه، وَقَالَ النَّسَائِيّ: مطر بن طهْمَان الْوراق لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَعَن أَحْمد: كَانَ فِي حفظه سوء، وَلَئِن سلمنَا أَنه مجمع عَلَيْهِ فِي توثيقه وَضَبطه وَلكنه لَيْسَ كرواة حَدِيث ابْن عَبَّاس وَلَا قَرِيبا مِنْهُم، فَافْهَم.
وَالْجَوَاب عَن الثَّانِي: وَهُوَ قَوْله: (المُرَاد بالمحرم أَنه فِي الْحرم) إِلَى قَوْله: وَبَان فعله أَن الْجَوْهَرِي ذكر مَا يُخَالف ذَلِك، فَإِنَّهُ قَالَ: أحرم الرجل إِذا دخل فِي الشَّهْر الْحَرَام، وَأنْشد الْبَيْت الْمَذْكُور على ذَلِك، وَأَيْضًا فَلفظ البُخَارِيّ: أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزَوجهَا وَهُوَ محرم وَبني بهَا وَهُوَ حَلَال، يدْفع هَذَا التَّفْسِير ويبعده.
وَالْجَوَاب عَن الثَّالِث: وَهُوَ قَوْله بِأَن فعله معَارض إِلَى قَوْله: يرجح القَوْل، أَنه لَيْسَ مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الأصوليون، فَإِن فِيهِ خلافًا.
وَالْجَوَاب عَن الرَّابِع: إِنَّه دَعْوَى فَيحْتَاج إِلَى برهَان. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: الصَّوَاب من القَوْل عندنَا أَن نِكَاح الْمحرم فَاسد لحَدِيث عُثْمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأما قصَّة مَيْمُونَة فتعارضت الْأَخْبَار فِيهَا. انْتهى
قلت: أَيْن ذهب حَدِيث عبد الله بن عَبَّاس؟ وَأما حَدِيث عُثْمَان الَّذِي أخرجه مُسلم عَنهُ أَنه قَالَ: الْمحرم لَا ينْكح وَلَا يخْطب فَفِي إِسْنَاده نبيه بن وهب وَلَيْسَ كعمرو بن دِينَار وَلَا كجابر بن دِينَار وَلَا لَهُ مَوضِع فِي الْعلم كموضع عَمْرو وَجَابِر، وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: ضعف البُخَارِيّ حَدِيث عُثْمَان وَصحح حَدِيث ابْن عَبَّاس، فَلَو علم أَن رُوَاة حَدِيث عُثْمَان يساوون رَوَاهُ حَدِيث ابْن عَبَّاس لصحح كلا الْحَدِيثين، وَلَئِن سلمنَا أَنهم متساوون، فَنَقُول: معنى لَا ينْكح الْمحرم وَلَا يطَأ، وَهُوَ مَحْمُول على الْوَطْء أَو الْكَرَاهَة لكَونه سَببا للوقوع فِي الرَّفَث لَا إِن عقده لنَفسِهِ أَو لغيره، كَمَا مر مُمْتَنع، وَلِهَذَا قرنه بِالْخطْبَةِ، وَلَا خلاف فِي حوازها، وَإِن كَانَت مَكْرُوهَة فَكَذَا النِّكَاح والإنكاح وَصَارَ كَالْبيع وَقت النداء.
١٣ - (بابُ نَهْيِ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ نِكاحِ المُتْعَةِ آخِرا)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن نِكَاح الْمُتْعَة. قَوْله: (آخرا) ، يُشِير إِلَى أَنَّهَا كَانَت مُبَاحَة أَولا. فَإِن قيل: ذكر فِي هَذَا الْبَاب عدَّة أَحَادِيث وَلَيْسَ فِيهَا التَّصْرِيح بذلك.
أُجِيب: بِأَنَّهُ قَالَ فِي آخر الْبَاب: إِن عليا بيَّن أَنه مَنْسُوخ، وَقد وَردت جملَة أَحَادِيث صَحِيحَة تَصْرِيح بِالنَّهْي عَنْهَا بعد الْإِذْن فِيهَا.
٥١١٥ - حدَّثنا مالِكُ بنُ إسْماعِيلَ حَدثنَا ابنُ عُيَيْنَةَ أنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيِّ يَقُولُ: أخبرَني الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ وأخُوهُ عبْدُ الله عنْ أبِيهِما: أنَّ عَليّا رَضِي الله عَنهُ، قَالَ لابنِ عَبَّاسٍ: إنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنِ المُتْعَةِ وعنْ لُحومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّة زَمَنَ خَيْبَرَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمَالك بن إِسْمَاعِيل مر عَن قريب، يروي عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن الْحسن بن مُحَمَّد وأخيه عبد الله بن مُحَمَّد كِلَاهُمَا يرويانعن أَبِيهِمَا مُحَمَّد بن عَليّ بن أبي طَالب أَن عليا قَالَ لعبد الله بن عَبَّاس إِلَى آخِره، وَمُحَمّد هُوَ الْمَعْرُوف بِابْن الْحَنَفِيَّة.
والْحَدِيث مضى فِي الْمَغَازِي فِي غَزْوَة خَيْبَر فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن يحيى بن قزعة عَن مَالك عَن ابْن شهَاب إِلَى آخه وَمضى الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فَلَا حَاجَة إِلَى إِعَادَته.
٦١١٥ - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ حَدثنَا غُنْدَرٌ حَدثنَا شُعْبَةُ عنْ أبي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عبَّاسٍ سُئِلَ عنْ مُتْعَةِ النِّساءِ فَرَخَّصَ فَقَالَ لهُ مَوْلى: إنَّما ذَلِكَ فِي الحالِ الشَّدِيد وَفِي النِّساءِ قِلةٌ أوْ نَحْوَهُ، فَقَالَ ابنُ عبَّاسٍ: نَعَمْ.