(التَّوْضِيح) : والْحَدِيث فِي ذَلِك أَي فِي عدم جوازان يُقَال مَا شَاءَ الله وشئت، مَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا أَبُو أَحْمد الزبيرِي حَدثنَا مسعر عَن معبد بن خَالِد عَن عبد الله بن بشار عَن قتيلة، امْرَأَة من جُهَيْنَة، قَالَت: جَاءَ يَهُودِيّ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّكُم تشركون وَإِنَّكُمْ تَقولُونَ: والكعبة، وتقولون: مَا شَاءَ الله وشئت. فَأَمرهمْ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَن يَقُولُوا: وَرب الْكَعْبَة، وَأمرهمْ أَن يَقُولُوا: مَا شء الله ثمَّ شِئْت.
وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ البُخَارِيّ وَلم يكن من شَرطه فترجم بِهِ واستنبط مَعْنَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة. انْتهى.
قلت: هَذَا لَا بَأْس بِهِ للقرب من التَّرْجَمَة مَا شَاءَ الله وشئت، لِأَن فِيهِ هَذَا، وَقَوله: مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت.
قَوْله: (مُحَمَّد بن بشار) بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الشين الْمُعْجَمَة الَّذِي يُقَال لَهُ بنْدَار، أَي: الْحَافِظ، روى عَن الْجَمَاعَة، وَأَبُو أَحْمد الزبيرِي اسْمه مُحَمَّد بن عبد الله بن الزبير الْكُوفِي روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومسعر بِكَسْر الْمِيم ابْن كدام روى لَهُ الْجَمَاعَة، ومعبد بن خَالِد الجدلي التَّابِعِيّ روى لَهُ الْأَرْبَعَة، وَعبد الله بن يسَار الْجُهَنِيّ روى لَهُ أَبُو دَاوُد، وَقتيلَة بِضَم الْقَاف وَفتح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح اللَّام، وَقَالَ أَبُو عمر: قتيلة بنت صَيْفِي الجهنية، وَيُقَال: الْأَنْصَارِيَّة، كَانَت من الْمُهَاجِرَات الأول روى عَنْهَا عبد الله بن يسَار.
قَوْله: (وَقَالَ عمر بن عَاصِم) هُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ روى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَغير مَوضِع وَهن علق عَنهُ، وَهَمَّام بتَشْديد الْمِيم ابْن يحيى العوذي الْبَصْرِيّ يروي عَن إِسْحَاق بن عبد الله بن أبي طَلْحَة واسْمه زيد الْأنْصَارِيّ ابْن أخي أنس بن مَالك، وَعبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة واسْمه عَمْرو الْأنْصَارِيّ قَاضِي أهل الْمَدِينَة، وَوصل البُخَارِيّ هَذَا الْمُعَلق فِي بَدْء الدُّنْيَا فِي: بَاب مَا ذكر عَن بني إِسْرَائِيل، وَقَالَ: حَدثنِي أَحْمد بن إِسْحَاق حَدثنَا عَمْرو بن عَاصِم حَدثنَا همام حَدثنَا إِسْحَاق بن عبد الله حَدثنِي عبد الرَّحْمَن بن أبي عمْرَة: أَن أَبَا هُرَيْرَة سمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَقُول: إِن ثَلَاثَة من بني إِسْرَائِيل ... الحَدِيث بِطُولِهِ، وَالثَّلَاثَة هم: أبرص وأقرع وأعمى.
قَوْله: (الحبال) بِالْحَاء الْمُهْملَة جمع حَبل، ويروى بِالْجِيم. قَوْله: (فَلَا بَلَاغ لي) قَالَ الْكرْمَانِي: الْبَلَاغ الْكِفَايَة، وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا أَرَادَ البُخَارِيّ أَن يحيز مَا شَاءَ الله ثمَّ شِئْت اسْتِدْلَالا من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة: وَلَا بَلَاغ لي إلَاّ بِاللَّه ثمَّ بك، وَلم يجز أَن يَقُول: مَا شَاءَ الله وشئت، وَقد ذكرنَا وَجهه عَن قريب.
٩ - (بابُ قَوْلِ الله تَعَالَى: { (٦) وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} (الْأَنْعَام: ٩٠١ غَيرهَا)
أَي: هَذَا بَاب فِي قَول الله تَعَالَى: {وأقسموا} هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي الْأَنْعَام، وَبعدهَا: {لَئِن جَاءَتْهُم آيَة ليُؤْمِنن بهَا} (الْأَنْعَام: ٩٠١) الْآيَة وَفِي سُورَة النُّور { (٢٤) وأقسموا بِاللَّه جهد. . أَمرتهم ليخرجن} (النُّور: ٣٥) الْآيَة.
وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: الْآيَة الأولى نزلت فِي قُرَيْش قَالُوا: يَا مُحَمَّد! تخبرنا عَن مُوسَى كَانَ مَعَه الْعَصَا يضْرب بهَا الْحجر فينفجر مِنْهُ اثْنَتَا عشرَة عينا، وتخبرنا عَن عِيسَى أَنه كَانَ يحيى الْمَوْتَى، وتخبرنا أَن ثَمُود كَانَت لَهُم نَاقَة، فاتنا بِشَيْء من الْآيَات حَتَّى نصدقك؟ الحَدِيث بِطُولِهِ فَأنْزل الله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه} أَي: حلفوا بِاللَّه {جهد أَيْمَانهم} أَي: يجْهد أَيْمَانهم يَعْنِي بِكُل مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْأَيْمَان، وأشدها {لَئِن جَاءَتْهُم آيَة} كَمَا جَاءَ من قبله من الْأُمَم {ليُؤْمِنن بهَا} الْآيَة وَالْآيَة الثَّانِيَة: نزلت فِي الْمُنَافِقين كَانُوا يَقُولُونَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: أَيْنَمَا كنت نَكُنْ مَعَك، إِن أَقمت أَقَمْنَا، وَإِن خرجت خرجنَا، وَإِن جاهدت جاهدنا مَعَك، فَقَالَ الله تَعَالَى: { (٢٤) قل لَهُم لَا تقسموا طَاعَة مَعْرُوفَة} (النُّور: ٣٥) بالْقَوْل وَاللِّسَان دون الِاعْتِقَاد فَهِيَ مَعْرُوفَة مِنْكُم بِالْكَذِبِ أَنكُمْ تكذبون فِيهَا، قَالَه مُجَاهِد. وَقَالَ الْمُهلب: قَوْله تَعَالَى: {وأقسموا بِاللَّه جهد أَيْمَانهم} دَلِيل على أَن الْحلف بِاللَّه أكبر الْأَيْمَان كلهَا لِأَن الْجهد شدَّة الْمَشَقَّة.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قَالَ أبُو بَكْر: فَوالله يَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَتحَدِّثَنِّي بالّذِي أخْطأتُ فِي الرُّؤْيا، قَالَ: لَا تُقْسِمْ
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهَا إِنْكَار قسم الْمُنَافِقين لكذبهم فِي أَيْمَانهم، وَفِي حَدِيث ابْن عَبَّاس إِنْكَار الْقسم الَّذِي أقسم بِهِ أَبُو بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَلَكِن الْفرق ظَاهر بَين الْقسمَيْنِ. وَهُوَ من حَدِيث مطول ذكره البُخَارِيّ مُسْندًا