قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: حَتَّى اعْترف وَلَا حَتَّى أقرّ إلَاّ همام بن يحيى. وَقَالَ غَيره: هَذِه اللَّفْظَة إِنَّمَا جَاءَت من رِوَايَة قَتَادَة وَلم ينقلها غَيره، وَهِي مِمَّا عد عَلَيْهِ. قلت: ثبتَتْ هَذِه اللَّفْظَة فِي الصَّحِيحَيْنِ فَيرد بِهِ مَا قيل مِمَّا ذكرنَا، وَيرد بِهِ أَيْضا سُؤال من قَالَ: كَيفَ قتل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُودِيّ بِلَا بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف؟ وَأجِيب: عَن هَذَا أَيْضا: بِأَن هَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَكَانَ يقتل الْقَاتِل بقول الْقَتِيل، وَقيل: يُمكن أَنه قَتله لَا بِبَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف بل بِسَبَب آخر مُوجب لقَتله، وَقيل: كَانَ علمه بِالْوَحْي فَلذَلِك قَتله.
وَاخْتلف الْعلمَاء فِي صفة الْقود. فَقَالَ مَالك: إِنَّه يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ، فَإِن قَتله بعصا أَو بِحجر أَو بالخنق أَو بالتغريق قتل بِمثلِهِ، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَاق وَابْن الْمُنْذر، وَقَالَ الشَّافِعِي: إِن طَرحه فِي النَّار عمدا حَتَّى مَاتَ طرح فِي النَّار حَتَّى يَمُوت، وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وعامر الشّعبِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: لَا يقتل الْقَاتِل فِي جَمِيع الصُّور إِلَّا بِالسَّيْفِ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا ابْن مَرْزُوق حَدثنَا أَبُو عَاصِم قَالَ: حَدثنَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن جَابر عَن أبي عَازِب عَن النُّعْمَان قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا قَود إلَاّ بِالسَّيْفِ، وَأَبُو عَاصِم الضَّحَّاك بن مخلد شيخ البُخَارِيّ وَجَابِر الْجعْفِيّ، وَأَبُو عَازِب مُسلم بن عَمْرو أَو مُسلم بن أَرَاك، والنعمان بن بشير. وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِي وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بحديدة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبَاب بِأَنَّهُ نسخ بنسخ الْمثلَة كَمَا فعل رَسُول الله بالعرنيين. فَإِن قلت: قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث لم يثبت لَهُ إِسْنَاد، وَجَابِر مطعون فِيهِ. قلت: وَإِن طعن فِيهِ فقد قَالَ وَكِيع: مهما شَكَكْتُمْ فِي شَيْء فَلَا تَشكوا فِي أَن جَابِرا ثِقَة. وَقَالَ شُعْبَة: صَدُوق فِي الحَدِيث. وَأخرج لَهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقد رُوِيَ مثله عَن أبي بكرَة، رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَادِهِ الْجيد عَن أبي هُرَيْرَة، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَنهُ نَحوه، وَعَن عبد الله بن مَسْعُود. وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إِلَّا بِالسِّلَاحِ، وَعَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَوَاهُ مُعلى بن هِلَال عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَنهُ، وَلَفظه: لَا قَود إلَاّ بحديدة، وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَازِب عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ عَن النَّبِي قَالَ: الْقود بِالسَّيْفِ وَالْخَطَأ على الْعَاقِلَة.
وَهَؤُلَاء ستتة أنفس من الصَّحَابَة رووا عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم: أَن الْقود لَا يكون إلَاّ بِالسَّيْفِ، ويشد بعضه بَعْضًا. وَأَقل أَحْوَاله أَن يكون حسنا، فصح الِاحْتِجَاج بِهِ.
٥ - (بابٌ إذَا قَتَلَ بِحَجَرٍ أوْ بِعَصاً)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قتل شخص شخصا بِحجر أَو قَتله بعصاً. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف تَقْدِيره: يقتل بِمَا قتل بِهِ، وَإِنَّمَا قَدرنَا هَكَذَا، وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال: لَا يقتل إلَاّ بِالسَّيْفِ مُوَافقَة لحَدِيث الْبَاب، وَلم يذكرهُ على عَادَته اكْتِفَاء بِحَدِيث الْبَاب. وَقَالَ بَعضهم: كَذَا أطلق وَلم يثبت الحكم إِشَارَة إِلَى الِاخْتِلَاف فِي ذَلِك، وَلَكِن إِيرَاده الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول الْجُمْهُور. انْتهى. قلت: الْوَجْه فِي تَركه الْجَواب مَا ذَكرْنَاهُ، وَأي شَيْء من التَّرْجَمَة يدل على الِاخْتِلَاف فِيهِ، وَلَا وَجه أَيْضا لقَوْله: إِيرَاده الحَدِيث يُشِير إِلَى تَرْجِيح قَول الْجُمْهُور.
٦٨٧٧ - حدّثنا مُحَمَّدٌ، أخبرنَا عبدُ الله بن إدْرِيسَ، عنْ شُعْبَةَ، عنْ هِشام بنِ زَيْدِ بنِ أنَسٍ عنْ جَدِّهِ أنَس بنِ مالِكٍ قَالَ: خَرَجَتْ جارِيَةٌ عَليْها أوْضاحٌ بالمَدِينَة، قَالَ: فَرَماها يهُودِيٌّ بِحَجرٍ. قَالَ: فَجِيءَ بِها إِلَى النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبهَا رمَقٌ، فَقَالَ لَهَا رسولُ الله فُلَانٌ قتلَكِ فَرَفَعَتْ رأْسَها، فأعادَ عليْها، قَالَ: فُلَانٌ قَتَلَكِ فَرَفَعتْ رأْسَها، فَقَالَ لَهَا فِي الثّالِثَةِ: فُلَانٌ قتلَكِ فَخَفَضَتْ رأْسَها، فَدَعا بِهِ رسُولُ الله فَقَتَلَهُ بَيْنَ الحجَرَيْنِ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: فَرَمَاهَا يَهُودِيّ بِحجر
وَمُحَمّد هُوَ ابْن عبد الله بن نمير فِي قَول الكلاباذي، وَقَالَ أَبُو عَليّ بن السكن: هُوَ مُحَمَّد بن سَلام.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْحُدُود عَن أبي مُوسَى وَبُنْدَار وَغَيرهمَا. وَأخرجه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute