مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله:(يَحْرُسنِي اللَّيْلَة) إِلَى آخِره، الحَدِيث، وَإِسْمَاعِيل بن خَلِيل أَبُو عبد الله الخزاز الْكُوفِي وَعلي بن مسْهر، بِضَم الْمِيم: على صِيغَة اسْم الْفَاعِل من الإسهار، قد مر فِي مُبَاشرَة الْحَائِض، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ وَعبد الله بن عَامر بن ربيعَة بن جُحر بن سلامان الْقرشِي الْعَنزي، ولد فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ أَبُو عمر: قتل سنة سِتّ من الْهِجْرَة وَحفظ عَنهُ وَهُوَ صَغِير وَتُوفِّي رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ ابْن أَربع سِنِين أَو خمس سِنِين وَأَبوهُ عَامر بن ربيعَة من كبار الصَّحَابَة، وَتُوفِّي عبد الله بن عَامر سنة خمس وَثَمَانِينَ، وَقَالَ أَبُو عمر: عبد الله بن عَامر بن ربيعَة هُوَ الْأَصْغَر وَعبد الله ابْن عَامر بن ربيعَة الْعَدوي هُوَ الْأَكْبَر صحب هُوَ وَأَبوهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَآخر فِي الصَّحَابَة: عبد الله بن عَامر بن كريز العبشمي الْقرشِي، ابْن خَال عُثْمَان بن عَفَّان، وَفِي التَّابِعين: عبد الله بن عَامر بن يزِيد بن تَمِيم بن ربيعَة الدِّمَشْقِي أَبُو عمرَان الْيحصبِي، ولي قَضَاء دمشق بعد أبي إِدْرِيس الْخَولَانِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّمَنِّي عَن خَالِد بن مخلد. وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل سعد بن أبي وَقاص عَن القعْنبِي وَعَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن رمح وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي المناقب عَن قُتَيْبَة بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن يحيى وَفِي السّير عَن قُتَيْبَة بِهِ.
قَوْله:(كَانَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سهر) لم يبين فِيهِ أَن سهره فِي أَي زمَان كَانَ، وَظَاهر الْكَلَام يَقْتَضِي أَن يكون سهره قبل قدومه الْمَدِينَة على مَا لَا يخفى، وَلَكِن لَيْسَ الْأَمر كَذَلِك، بل إِنَّمَا كَانَ سهره بعد مقدمه الْمَدِينَة، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ مُسلم: حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد حَدثنَا لَيْث وَحدثنَا مُحَمَّد بن رمح أخبرنَا اللَّيْث عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الله بن عَامر بن ربيعَة: أَن عَائِشَة قَالَت: سهر رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقدمه الْمَدِينَة لَيْلَة، فَقَالَ: لَيْت رجلا صَالحا من أَصْحَابِي يَحْرُسنِي اللَّيْلَة؟ قَالَت: فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ سمعنَا خشخشة سلَاح، فَقَالَ: من هَذَا؟ قَالَ سعد بن أبي وَقاص، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:(مَا جَاءَ بك؟) فَقَالَ: وَقع فِي نَفسِي خوف على رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَجئْت أحرسه، فَدَعَا لَهُ رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نَام، وَله فِي رِوَايَة أرِق رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات لَيْلَة، فَقَالَ: لَيْت رجلا صَالحا ... الحَدِيث، وَلم يذكر فِيهِ: مقدمه الْمَدِينَة، فَفِي حَدِيث مُسلم التَّصْرِيح بِأَن سهره وَقَوله: لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، كَانَا بعد مقدمه الْمَدِينَة، وَهُوَ ظَاهر لَا يخفى، وَمتْن حَدِيث البُخَارِيّ ينزل على هَذَا، لِأَن الحَدِيث وَاحِد والمخرج مُتحد، وَوَقع فِي متن حَدِيث البُخَارِيّ تَقْدِيم وَتَأْخِير، فَالْأَصْل: سَمِعت عَائِشَة تَقول: لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة سهر لَيْلَة، وَقَالَ: لَيْت رجلا ... إِلَى آخِره، وتؤكده رِوَايَة النَّسَائِيّ من طَرِيق أبي إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن يحيى بن سعيد بِلَفْظ كَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أول مَا قدم الْمَدِينَة سهر من اللَّيْل ...
وَاعْلَم أَنه لَيْسَ المُرَاد بقدومه الْمَدِينَة أول قدومه إِلَيْهَا من الْهِجْرَة، لِأَن عَائِشَة إِذْ ذَاك لم تكن عِنْده، وَلَا كَانَ سعد أَيْضا مِمَّن سبق. فَإِن قلت: التَّرْجَمَة: الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل الله، فعلى مَا ذكر لم تقع الحراسة فِي الْغَزْو فِي سَبِيل الله؟ قلت: لم يزل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي سَبِيل الله سَوَاء كَانَ فِي السّفر أَو الْحَضَر، وَلم يزل حَاله فِي الْغَزْو كَذَلِك. فَإِن قلت: قَالَ الله تَعَالَى: {وَالله يَعْصِمك من النَّاس}(الْمَائِدَة: ٧٦) . فَمَا الْحَاجة إِلَى الحراسة؟ قلت: كَانَ ذَلِك قبل نزُول الْآيَة، أَو المُرَاد الْعِصْمَة من فتْنَة النَّاس وَاخْتِلَافهمْ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ فِي الْآيَة مَا يُنَافِي الحراسة، كَمَا أَن إِعْلَام الله بنصر دينه وإظهاره مَا يمْنَع الْأَمر بِالْقِتَالِ وإعداد الْعدَد.
وَفِي الحَدِيث: الْأَخْذ بالحذر والاحتراس من الْعَدو. وَفِيه: أَن على النَّاس أَن يحرسوا سلطانهم خشيَة الْقَتْل.