للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عنِ الخَيْرَةِ فقالَتْ خَيَّرَنا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أفَكَانَ طَلَاقا؟ قَالَ مَسْرُوقٌ: لَا أُبالي أخَيَّرْتُها واحِدَةً أوْ مائَةً بعْدَ أنْ تَخُتَارَنِي.

(انْظُر الحَدِيث ٢٦٢٥)

هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث عَائِشَة أخرجه عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان بن أبي خَالِد عَن عَامر الشّعبِيّ.

قَوْله: (عَن الْخيرَة) بِكَسْر الْخَاء وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَهِي جعل الطَّلَاق بيد الْمَرْأَة. قَوْله: (أَفَكَانَ طَلَاقا) اسْتِفْهَام على سَبِيل الْإِنْكَار، أَرَادَت لم يكن طَلَاقا لِأَنَّهُنَّ اخْترْنَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن وَكِيع عَن إِسْمَاعِيل: فَهَل كَانَ طَلَاقا؟ وَكَذَا فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن يحيى الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل قَوْله: (قَالَ مَسْرُوق) إِلَى آخِره مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور. قَوْله: (أخيَّرتها؟) أَي: امْرَأَتي، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم، قَالَ: مَا أُبَالِي خيرت امْرَأَتي وَاحِدَة أَو مائَة أَو ألفا بعد أَن تختارني، وَلَكِن قَول مَسْرُوق هَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم قبل قَوْله: سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَقد روى مثل قَول مَسْرُوق عَن عمر وَعلي وَابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمن التَّابِعين قَول عَطاء وَسليمَان بن يسَار وَرَبِيعَة وَالزهْرِيّ. كلهم قَالُوا: إِذا اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَيْسَ بِشَيْء، وَهُوَ قَول أَئِمَّة الْفَتْوَى. وَإِن اخْتَارَتْ نَفسهَا؟ فَحكى التِّرْمِذِيّ عَن عَليّ أَنه وَاحِدَة بَائِنَة، وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَوَاحِدَة رَجْعِيَّة، وَعَن زيد بن ثَابت: إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَثَلَاث، وَإِن اختاررت زَوجهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة، وَعَن عمر وَابْن مَسْعُود: إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فَوَاحِدَة بَائِنَة وعنهما رَجْعِيَّة، وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فَلَا شَيْء.

٦ - (بابٌ إذَا قَالَ: فَارَقْتُكِ أوْ سَرَّحْتُكِ أوِ: الخَلِيَّةُ أوِ البَرِيَّةُ أوْ مَا عُنِيَ بهِ الطَّلَاقُ فَهُوَ علَى نِيَّتِهِ.)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم مَا إِذا قَالَ الرجل لامْرَأَته: فارقتك أَو سرحتك أَو أَنْت خلية أَو بَريَّة، فَالْحكم فِي هَذِه الْأَلْفَاظ يعْتَبر بنيته وَهُوَ معنى قَوْله: (فَهُوَ على نِيَّته) لِأَن هَذِه كنايات عَن الطَّلَاق، فَإِن نوى الطَّلَاق وَقع وإلَاّ فَلَا يَقع شَيْء، وَإِنَّمَا كَانَت الْكِنَايَة للطَّلَاق وَلم تكن للنِّكَاح لِأَن النِّكَاح لَا يَصح إلَاّ بِالْإِشْهَادِ. وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: لَا صَرِيح إلَاّ لفظ الطَّلَاق وَمَا يتَصَرَّف مِنْهُ، وَنَصّ فِي الْجَدِيد على أَن الصَّرِيح لفظ الطَّلَاق. والفراق والسراح لوُرُود ذَلِك فِي الْقُرْآن، وَقدر حج الطَّبَرِيّ والمحاملي وَغَيرهمَا قَوْله الْقَدِيم، وَاخْتَارَهُ القَاضِي عبد الْوَهَّاب من الْمَالِكِيَّة، وَقَالَ أَبُو يُوسُف فِي قَوْله: فارقتك أَو خلعتك أَو خليت سَبِيلك، أَو لَا ملك لي عَلَيْك إِنَّه ثَلَاث، وَاخْتلفُوا فِي الخلية والبرية، فَعَن عَليّ: أَنه ثَلَاث. وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ، وَعَن ابْن عمر: ثَلَاث فِي الْمَدْخُول بهَا، وَبِه قَالَ مَالك ويدين فِي الَّتِي لم يدْخل بهَا بتطليقة وَاحِدَة أَرَادَ أم ثَلَاثًا، وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة تعْتَبر نِيَّته فِي ذَلِك، فَإِن نوى ثَلَاثًا فَثَلَاث، وَإِن نوى وَاحِدَة فَوَاحِدَة بَائِنَة، وَهِي أَحَق بِنَفسِهَا وَإِن نوى ثِنْتَيْنِ فَهِيَ وَاحِدَة، وَفِي (التَّلْوِيح) . وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ فِي ذَلِك كُله غير مُطلق حَتَّى يَقُول، أردْت بمخرج الْكَلَام مني طَلَاقا فَيكون مَا نَوَاه، فَإِن نوى دون الثَّلَاث كَانَ جَمِيعًا، وَلَو طَلقهَا وَاحِدَة بَائِنَة كَانَت رَجْعِيَّة. وَقَالَ إِسْحَاق: هُوَ إِلَى نِيَّته يدين، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: هِيَ تَطْلِيقَة رَجْعِيَّة وَلَا يسْأَل عَن نِيَّته فِي ذَلِك، وَحكى الدَّارمِيّ عَن ابْن خيران أَن من لم يعرف إلَاّ الطَّلَاق فَهُوَ صَرِيح فِي حَقه فَقَط، وَنَحْوه للروياني فَإِنَّهُ لَو قَالَ: اغربي فارقتك، وَلم يعرف أَنَّهَا صَرِيحَة لَا يكون صَرِيحًا فِي حَقه، وَاتَّفَقُوا عل أَن لفظ الطَّلَاق وَمَا يتَصَرَّف مِنْهُ صَرِيح، لَكِن أخرج أَبُو عبيد فِي (غَرِيب الحَدِيث) من طَرِيق عبيد الله بن شهَاب الْخَولَانِيّ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه رفع إِلَيْهِ رجل قَالَت لَهُ امْرَأَته يشبهني. فَقَالَ: كَأَنَّك ظَبْيَة. قَالَت: لَا قَالَ: كَأَنَّك حمامة. قَالَت: لَا أرْضى حَتَّى تَقول: أَنْت خلية طَالِق، فَقَالَ لَهُ عمر: خُذ بِيَدِهَا فَهِيَ امْرَأَتك. قَالَ أَبُو عبيد قَوْله خلية طَالِق أَي: نَاقَة كَانَت معقولة ثمَّ أطلقت من عقالها، وخلى عَنْهَا فسميت خلية لِأَنَّهَا خليت عَن العقال، وَطَالِق لِأَنَّهَا أطلقت مِنْهُ فَأَرَادَ الرجل أَنَّهَا تشبه النَّاقة وَلم يقْصد الطَّلَاق بِمَعْنى الْفِرَاق أصلا، فأسقط عمر عَنهُ الطَّلَاق، وَقَالَ أَبُو عبيد: وَهَذَا أصل لكل من تكلم بِشَيْء من أَلْفَاظ الطَّلَاق، وَلم يرد الْفِرَاق بل أَرَادَ غَيره فَالْقَوْل قَوْله فِيهِ فِيمَا بَينه وَبَين االله تَعَالَى. وَفِي (الْمُحِيط) : لَو قَالَ: أَنْت طَالِق، وَقَالَ: عنيت بِهِ عَن الوثاق لَا يصدق قَضَاء وَيصدق ديانَة، وَلَو قَالَ: أَنْت طَالِق من وثاق لم يَقع شَيْء فِي الْقَضَاء، وَلَو قَالَ: أردْت أَنَّهَا طَالِق من الْعَمَل لم يدين فِيمَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى،

<<  <  ج: ص:  >  >>