للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اسْتلْقى على ظَهره وَجعل رجلَيْهِ إِلَى الْقبْلَة، وَأَوْمَأَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود. وَقَالَ الشَّيْخ حميد الدّين الضريري، رَحمَه الله: تُوضَع وسَادَة تَحت رَأسه حَتَّى يكون شبه الْقَاعِد ليتَمَكَّن من الْإِيمَاء بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُود. إِذْ حَقِيقَة الاستلقاء تمنع الأصحاء عَن الْإِيمَاء، فَكيف المرضى؟ وَاخْتلفت الرِّوَايَات عَن أَصْحَابنَا فِي كَيْفيَّة الاستلقاء، فَفِي ظَاهر الرِّوَايَة يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ وَرجلَاهُ إِلَى الْقبْلَة، وروى ابْن كاس عَنْهُم أَنه: يُصَلِّي على جنبه الْأَيْمن وَوَجهه إِلَى الْقبْلَة، فَإِن عجز عَن ذَلِك اسْتلْقى على قَفاهُ وَهُوَ قَول الشَّافِعِي، وَقَول مَالك وَأحمد كظاهر الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة.

٠٢ - (بابٌ إذَا صَلَّى قاعِدا ثُمَّ صَحَّ أوْ وَجَدَ خِفَّةً تَمَّمَ مَا بَقِيَ)

أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صلى شخص قَاعِدا لأجل عَجزه عَن الْقيام ثمَّ صَحَّ فِي أثْنَاء صلَاته بِأَن حصلت لَهُ عَافِيَة أَو وجد خفَّة فِي مَرضه بِحَيْثُ إِنَّه قدر على الْقيام، تمم صلَاته وَلَا يسْتَأْنف فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهَذِه التَّرْجَمَة بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَعم، من أَن تكون فِي الْفَرِيضَة أَو النَّفْل، لَا كَمَا قَالَه الْبَعْض: إِن قَوْله: ثمَّ صَحَّ، يتَعَلَّق بالفريضة، وَقَوله: أَو وجد خفَّة يتَعَلَّق بالنافلة، لِأَن هَذِه دَعْوَى بِلَا برهَان، لِأَن الَّذِي حمله على هَذَا لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون لبَيَان أَن حكم الْفَرْض فِي هَذَا خلاف حكم النَّفْل، وَإِمَّا لأجل الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين حَدِيثي الْبَاب، فَإِن كَانَ الْوَجْه الأول فَلَيْسَ فِيهِ خلاف عِنْد الْجُمْهُور، مِنْهُم: أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو يُوسُف أَن الْمَرِيض إِذا صلى قَاعِدا ثمَّ صَحَّ أَو وجد قُوَّة مِقْدَار مَا يقوم بهَا على الْقيام فَإِنَّهُ يتم صلَاته قَائِما، خلافًا لمُحَمد بن الْحسن فَإِنَّهُ قَالَ: يسْتَأْنف صلَاته. فَإِن قلت: أَلَيْسَ هَذَا بِنَاء الْقوي على الضَّعِيف؟ قلت: لَا، لِأَن تحريمته لم تَنْعَقِد للْقِيَام لعدم الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَقت الشُّرُوع فِي الصَّلَاة، وَإِن كَانَ الْوَجْه الثَّانِي فَلَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى التَّفْرِقَة لبَيَان وَجه الْمُطَابقَة بِأَن يُقَال: إِن الشق الثَّانِي من التَّرْجَمَة يُطَابق حَدِيث الْبَاب، لِأَنَّهُ فِي النَّفْل، وَيُؤْخَذ مَا يتَعَلَّق بالشق الأول بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ، وَهَذَا كُله تعسف، وَمَا أوقع الشُّرَّاح فِي هَذِه التعسفات إلاّ قَول ابْن بطال: إِن هَذِه التَّرْجَمَة تتَعَلَّق بالفريضة، وَحَدِيث عَائِشَة يتَعَلَّق بالنافلة، وَتَقْيِيد ابْن بطال الْمُطلق بِلَا دَلِيل تحكم، بل التَّرْجَمَة على عمومها، وَإِن كَانَ حَدِيث الْبَاب فِي النَّفْل، لأَنا قد ذكرنَا غير مرّة أَن أدنى شَيْء يلائم بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث كَاف، بَيَان ذَلِك أَن الْقيام فِي حق المتنفل غير متأكد، وَله أَن يتْركهُ من غير عذر، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا روته عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: (أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، كَانَ يُصَلِّي لَيْلًا طَويلا قَائِما وَلَيْلَة طَوِيلَة قَاعِدا) ، رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة، وَفِي حق الْمَرِيض الْعَاجِز عَن الْقيام يكون كَذَلِك لِأَن تحريمته لَا تَنْعَقِد لذَلِك، كَمَا ذكرنَا، فَيكون المتنفل والمفترض الْعَاجِز سَوَاء فِي ذَلِك، فتتناولهما التَّرْجَمَة من هَذِه الْحَيْثِيَّة.

وَقَالَ الحسَنُ إنْ شاءَ المَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قاعِدا ورَكْعَتَيْنِ قائِما

الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، قَالَ بَعضهم: وَهَذَا الْأَثر وَصله ابْن أبي شيبَة بِمَعْنَاهُ قلت: الَّذِي ذكره ابْن أبي شيبَة لَيْسَ بِمَعْنَاهُ وَلَا قَرِيبا مِنْهُ لِأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن مُغيرَة وَعَن يُونُس عَن الْحسن (أَنَّهُمَا قَالَا: يُصَلِّي الْمَرِيض على الْحَالة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا) انْتهى. وَمَعْنَاهُ: إِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقيام يُصَلِّي قَاعِدا، وَإِن كَانَ عَاجِزا عَن الْقعُود يُصَلِّي على جنبه، كَمَا فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن عمرَان، وحالته لَا تَخْلُو عَن ذَلِك، وَالَّذِي ذكره البُخَارِيّ عَنهُ هُوَ، أَن: يُصَلِّي الْمَرِيض إِن شَاءَ رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا وَرَكْعَتَيْنِ قَائِما، فَالَّذِي يظْهر مِنْهُ أَنه إِذا صلى رَكْعَتَيْنِ قَاعِدا لعَجزه عَن الْقيام، ثمَّ قدر على الْقيام يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا قَائِما، وَلَا يسْتَأْنف صلَاته. فَحِينَئِذٍ تظهر الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة وَبَين هَذَا الْأَثر. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) : هَذَا التَّعْلِيق، يَعْنِي الَّذِي ذكره عَن الْحسن، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي (جَامعه) : عَن مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن: إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما وجالسا ومضطجعا. انْتهى. قلت: هَذَا أَيْضا غير قريب مِمَّا ذكره البُخَارِيّ، وَلَا يخفى ذَلِك على المتأمل.

٨١١١ - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عَنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا أخْبَرَتْهُ أنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ قاعِدا قَط

<<  <  ج: ص:  >  >>