أدْركْت سبعين بَدْرِيًّا من الصَّحَابَة رَضِي اتعالى عَنْهُم، كلهم يرَوْنَ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَلِهَذَا رَآهُ أَبُو حنيفَة من شَرَائِط السّنة وَالْجَمَاعَة، فَقَالَ: مِنْهَا أَن تفضل الشَّيْخَيْنِ، وتحب الختنين، وَترى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ، وَأَن لَا تحرم نَبِيذ الْجَرّ يَعْنِي المثلث. وَرُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: مَا قلت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي مثل ضوء النَّهَار، فَكَانَ الْجُحُود ردا على كبار الصَّحَابَة، ونسبته إيَّاهُم إِلَى الْخَطَأ فَكَانَ بِدعَة، وَلِهَذَا قَالَ الْكَرْخِي: أَخَاف الْكفْر على من لَا يرى الْمسْح على الْخُفَّيْنِ.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز الْبَوْل بمشهد الرجل وَإِن كَانَت السّنة الاستتار عَنهُ. وَفِيه: الْمسْح على الْخُفَّيْنِ جَائِز، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ. وَفِيه: الْإِعْجَاب بِبَقَاء حكم من الْأَحْكَام، وَهُوَ يدل على عدم النّسخ، وَقَالَ ابْن بطال: وَهَذَا الْبَاب كالباب الَّذِي قبله فِي أَن الْخُف لَو كَانَ فِيهِ قذر فَحكمه حكم النَّعْل.
٦٢ - (بابٌ إذَا لَمْ يُتِم السُّجُودَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي حكم الْمُصَلِّي إِذا لم يتم سُجُوده فِي صلَاته، يَعْنِي أَنه: لَا يجوز لترتب الْوَعيد الشَّديد فِي حَقه. هَذَا الْبَاب، وَالْبَاب الَّذِي يَلِيهِ لم يقعا هَهُنَا أصلا عِنْد الْمُسْتَمْلِي، لِأَن مَحلهمَا فِي أَبْوَاب صفة الْوضُوء، وَإِنَّمَا وَقعا عِنْد الْأصيلِيّ، وَلَكِن قبل بَاب الصَّلَاة فِي النِّعَال، وَقَالَ بَعضهم: إِعَادَة هَاتين الترجمتين هُنَا، وَفِي بَاب السُّجُود، الْحمل فِيهِ عِنْدِي على النساخ بِدَلِيل سَلامَة رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي من ذَلِك وَهُوَ أحفظهم. قلت: تكْرَار هَذَا الْبَاب وإعادته لَهُ وَجه، لِأَن عَادَته التّكْرَار عِنْد وجود الْفَائِدَة، وَهِي مَوْجُودَة فِيهِ لِأَنَّهُ ترْجم هُنَا بقوله: (بَاب إِذا لم يتم السُّجُود) ، وَهُنَاكَ ترْجم بقوله: (بَاب إِذا لم يتم الرُّكُوع) . وَشَيْخه هُنَا: الصَّلْت ابْن مُحَمَّد يروي عَن مهْدي عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة أَنه رأى رجلا ... وَهُنَاكَ شَيْخه: حَفْص بن عمر عَن شُعْبَة عَن سُلَيْمَان، قَالَ: سَمِعت زيد بن وهب، قَالَ: رأى حُذَيْفَة رجلا. وَفِي بَقِيَّة الْمَتْن أَيْضا تغاير. وَأما الْبَاب الثَّانِي فَلَيْسَ لذكره مَحل هَهُنَا، لِأَنَّهُ كَمَا هُوَ مَذْكُور هَهُنَا مَذْكُور هُنَاكَ، كَذَلِك: تَرْجَمَة ورواةً ومتناً.
فَإِن قلت: على مَا ذكره الْأصيلِيّ: مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَبَين بَاب السُّجُود على الثَّوْب فِي شدَّة الْحر؟ قلت: ظَاهر، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا فِي حكم السُّجُود.
٥٥ - (أخبرنَا الصَّلْت بن مُحَمَّد أخبرنَا مهْدي عَن وَاصل عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة أَنه رأى رجلا لَا يتم رُكُوعه وَلَا سُجُوده فَلَمَّا قضى صلَاته قَالَ لَهُ حُذَيْفَة مَا صليت قَالَ وَأَحْسبهُ قَالَ لَو مت مت على غير سنة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute