للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَوله: بِالْجَرِّ، عطف على قَوْله: صَدَقَة الْعَلَانِيَة، وَهُوَ أَيْضا من التَّرْجَمَة، وَقد سَقَطت فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَثبتت لغيره، وَقد اخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة، فَذكر الواحدي: أَنَّهَا نزلت فِي أَصْحَاب الْخَيل، وَهُوَ قَول أبي أُمَامَة وَأبي الدَّرْدَاء وَمَكْحُول وَالْأَوْزَاعِيّ عَن رَبَاح، وَرَوَاهُ ابْن غَرِيب عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا. قلت: روى ابْن أبي حَاتِم من حَدِيث أبي أُمَامَة أَنَّهَا نزلت فِي أَصْحَاب الْخَيل الَّذين يربطونها فِي سَبِيل الله. وَقَالَ مُجَاهِد والكلبي وَابْن عَبَّاس: نزلت فِي عَليّ بن أبي طَالب، كَانَ عِنْده أَرْبَعَة دَرَاهِم فأنفق بِاللَّيْلِ وَاحِدًا وبالنهار وَاحِدًا وَفِي السِّرّ وَاحِدًا وَفِي الْعَلَانِيَة وَاحِدًا. زَاد الْكَلْبِيّ، فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا حملك على هَذَا؟ قَالَ: حَملَنِي أَن أستوجب على الله تَعَالَى الَّذِي وَعَدَني. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن ذَلِك لَك، فَأنْزل الله هَذِه الْآيَة. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق أَيْضا بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف إِلَى ابْن عَبَّاس، وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن جرير من طَرِيق عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد عَن أَبِيه نَحوه، وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه من وَجه آخر عَن ابْن عَبَّاس. وَفِي (الْكَشَّاف) نزلت فِي أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: إِذا أنْفق أَرْبَعِينَ ألف دِينَار وَعشرَة الْألف سرا وَعشرَة آلَاف جَهرا وَعشرَة آلَاف لَيْلًا وَعشرَة آلَاف نَهَارا. وَقَالَ الطَّبَرِيّ: قَالَ آخَرُونَ: عَنى بِالْآيَةِ قوما أَنْفقُوا فِي سَبِيل الله فِي غير إِسْرَاف وَلَا تقتير. وَقَالَ قَتَادَة: نزلت فِيمَن أنْفق مَاله فِي سَبِيل الله، لقَوْله: صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِن المكثرين هم الأقلون يَوْم الْقِيَامَة إلَاّ من قَالَ بِالْمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا، عَن يَمِينه وشماله وَقَلِيل مَا هم، هَؤُلَاءِ قوم أَنْفقُوا فِي سَبِيل الله فِي غير سرف وَلَا إملاق وَلَا تبذير وَلَا فَسَاد) . قَوْله إِلَى قَوْله: {وَلَا هم يَحْزَنُونَ} (الْبَقَرَة: ٤٧٢) . أَرَادَ تَمام الْآيَة، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {فَلهم أجرهم عِنْد رَبهم وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} (الْبَقَرَة: ٤٧٢) . أَي: لَهُم أجرهم يَوْم الْقِيَامَة على مَا فعلوا من الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَات، فَلَا خوف عَلَيْهِم عِنْد الْمَوْت، وَلَا هم يَحْزَنُونَ يَوْم الْقِيَامَة.

٣١ - (بابُ صَدَقَةِ السِّرِّ)

أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر صَدَقَة السِّرّ، وَلم يذكر فِي هَذَا الْبَاب إلَاّ الحَدِيث الْمُعَلق وَالْآيَة الْكَرِيمَة.

وقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ورَجُلٌ تصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنعَتْ يَمِينُهُ

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله: (فأخفاها) أَي: الصَّدَقَة، وَهِي صَدَقَة السِّرّ، وَهَذَا الْمُعَلق ذكره مَوْصُولا فِي: بَاب من جلس فِي الْمَسْجِد ينْتَظر الصَّلَاة، عَن مُحَمَّد بن بشار عَن يحيى عَن عبيد الله عَن حبيب بن عبد الرَّحْمَن عَن حَفْص بن عَاصِم عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله ... الحَدِيث، وَهَذَا الْمُعَلق قِطْعَة مِنْهُ، وَلَكِن لَفظه هُنَاكَ: (وَرجل تصدق بِصَدقَة وأخفى حَتَّى لَا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه) . وَذكره أَيْضا بِتَمَامِهِ فِي الْبَاب الثَّالِث بعد هَذَا الْبَاب، وَهُوَ: بَاب الصَّدَقَة بِالْيَمِينِ، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله: (وَرجل) ، عطف على مَا قبله فِي الحَدِيث الْمَذْكُور.

وقالَ الله تَعَالى: {وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقَرَاءَ فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (الْبَقَرَة: ١٧٢) .

مُطَابقَة هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وأولها: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . أَي: إِن أظهرتموا الصَّدَقَة فَنعم شَيْء هِيَ. وَقيل: فنعمت الْخصْلَة هِيَ، نزلت لما سَأَلُوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: صَدَقَة السِّرّ أفضل أم الْجَهْل؟ قَالَ الطَّبَرِيّ: وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس أَن قَوْله تَعَالَى: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ} (الْبَقَرَة: ٤٧٢) . كَانَ هَذَا يعْمل بِهِ قبل أَن تنزل بَرَاءَة، فَلَمَّا نزلت بَرَاءَة بفرائض الصَّدقَات أقربت الصَّدقَات إِلَيْهَا. وَعَن قَتَادَة: {إِن تبدوا الصَّدقَات فَنعما هِيَ وَإِن تخفوها} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . كل مَقْبُول إِذا كَانَت النِّيَّة صَادِقَة، وَصدقَة السِّرّ أفضل. وَذكر لنا أَن الصَّدَقَة تطفىء الْخَطِيئَة كَمَا يطفىء المَاء النَّار. وَقَالَهُ أَيْضا الرّبيع، وَعَن ابْن عَبَّاس: جعل الله صَدَقَة السِّرّ فِي التَّطَوُّع تفضل علانيتها يُقَال: بسبعين ضعفا، وَجعل صَدَقَة الْفَرِيضَة علانيتها تفضل من سرها يُقَال بِخَمْسَة وَعشْرين ضعفا، وَكَذَلِكَ جَمِيع الْفَرَائِض والنوافل فِي الْأَشْيَاء كلهَا. وَقَالَ سُفْيَان: هُوَ سوى الزَّكَاة، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا عَنى الله جلّ ثَنَاؤُهُ بقوله: {إِن تبدوا الصَّدقَات} (الْبَقَرَة: ١٧٢) . يَعْنِي على أهل الْكِتَابَيْنِ من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَنعما

<<  <  ج: ص:  >  >>