للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِجنَازَة فَأَثْنوا عَلَيْهَا خيرا، فَقَالَ: وَجَبت، ثمَّ مروا بِأُخْرَى فَأَثْنوا عَلَيْهَا شرا، فَقَالَ: وَجَبت، ثمَّ قَالَ: إِن بَعْضكُم على بعض شُهَدَاء) . وروى أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (الْمَلَائِكَة، عَلَيْهِم السَّلَام، شُهَدَاء الله فِي السَّمَاء وَأَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض، إِن بَعْضكُم على بعض شَهِيد) . قَوْله: (وَجَبت) أَي: وَجَبت الْجنَّة فِي الأول، وَوَجَبَت النَّار فِي الثَّانِي، وَالْمرَاد بِالْوُجُوب الثُّبُوت، أَو هُوَ فِي صِحَة الْوُقُوع كالشيء الْوَاجِب، وَحَاصِل الْمَعْنى أَن ثناءهم عَلَيْهِ بِالْخَيرِ يدل على أَن أَفعاله كَانَت خيرا فَوَجَبت لَهُ الْجنَّة، وثناءهم عَلَيْهِ بِالشَّرِّ يدل على أَن أَفعاله كَانَت شرا فَوَجَبت لَهُ النَّار، وَذَلِكَ لِأَن الْمُؤمنِينَ شُهَدَاء بَعضهم على بعض، لما صرح فِي الحَدِيث، والتكرير فِيهِ فِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره لتأكيد الْكَلَام وتحقيقه لِئَلَّا يشكوا فِيهِ، وَقَالَ الدَّاودِيّ: معنى هَذَا الحَدِيث عِنْد الْفُقَهَاء إِذا أثنى عَلَيْهِ أهل الْفضل والصدق، لِأَن الفسقة قد يثنون على الفسقة فَلَا يدْخلُونَ فِي معنى هَذَا الحَدِيث، وَالْمرَاد، وَالله أعلم، إِذا كَانَ الثَّنَاء بِالشَّرِّ مِمَّن لَيْسَ لَهُ بعدوٍّ، لِأَنَّهُ قد يكون للرجل الصَّالح الْعَدو، وَإِذا مَاتَ عدوه فَذكر عَن ذَلِك الرجل الصَّالح شرا فَلَا يدْخل الْمَيِّت فِي معنى هَذَا الحَدِيث، لِأَن شَهَادَته كَانَت لَا تجوز عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، وَإِن كَانَ عدلا للعداوة والبشر غير معصومين. فَإِن قيل: كَيفَ يجوز ذكر شَرّ الْمَوْتَى، مَعَ وُرُود الحَدِيث الصَّحِيح عَن زيد بن أَرقم فِي النَّهْي عَن سبّ الْمَوْتَى وَذكرهمْ إلَاّ بِخَير. وَأجِيب: بِأَن النَّهْي عَن سبّ الْأَمْوَات غير الْمُنَافِق وَالْكَافِر والمجاهر بِالْفِسْقِ أَو بالبدعة، فَإِن هَؤُلَاءِ لَا يحرم، وَذكرهمْ بِالشَّرِّ للحذر من طريقهم، وَمن الِاقْتِدَاء بهم، وَقيل: لَا بُد أَن يكون ثناؤهم مطابقا لأفعاله. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون النَّهْي عَن سبّ الْمَوْتَى مُتَأَخِّرًا عَن هَذَا الحَدِيث، فَيكون نَاسِخا، وَقيل: حَدِيث أنس الْمَذْكُور يجْرِي مجْرى الْغَيْبَة فِي الْأَحْيَاء، فَإِن كَانَ الرجل أغلب أَحْوَاله الْخَيْر، وَقد يكون مِنْهُ الْغَلَبَة فالإغتياب لَهُ محرم، وَإِن كَانَ فَاسِقًا مُعْلنا فَلَا غيبَة فِيهِ، فَكَذَلِك الْمَيِّت، فَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يُنْهِي عَنهُ من سبّ الْأَمْوَات، وَقَالَ بَعضهم: الثَّنَاء على عُمُومه لكل مُسلم مَاتَ، فَإِذا ألهم الله النَّاس، أَو معظمهم، الثَّنَاء عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك دَلِيلا أَنه من أهل الْجنَّة، سَوَاء كَانَت أَفعاله تَقْتَضِي ذَلِك أم لَا، لِأَنَّهُ، وَإِن لم تكن أَفعاله مقتضية فَلَا تتحتم عَلَيْهِ الْعقُوبَة، بل هُوَ فِي الْمَشِيئَة، فَإِذا ألهم الله النَّاس الثَّنَاء عَلَيْهِ استدللنا بذلك أَن الله تَعَالَى قد شَاءَ الْمَغْفِرَة لَهُ، وَبِهَذَا تظهر فَائِدَة الثَّنَاء فِي قَوْله: (وَجَبت) ، وَقيل: هَذَا خَاص بالمثنين الْمَذْكُورين لغيب أطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَيْهِ، ورد بِأَن كلمة: من، تستدعي الْعُمُوم والتخصيص بِلَا مُخَصص، لَا يجوز. قَوْله: (أَنْتُم شُهَدَاء الله فِي الأَرْض) . الْخطاب للصحابة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلمن كَانَ على صفتهمْ من الْإِيمَان، وَحكى ابْن التِّين أَن ذَلِك مَخْصُوص بالصحابة لأَنهم كَانُوا ينطقون بالحكمة بِخِلَاف من بعدهمْ، ثمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب أَن ذَلِك يخْتَص بالثقات والمتقين. وَقَالَ النَّوَوِيّ: الظَّاهِر أَن الَّذِي أثنوا عَلَيْهِ شرا كَانَ من الْمُنَافِقين. قلت: ويستأنس لما قَالَه بِمَا رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي قَتَادَة بِإِسْنَاد صَحِيح أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصلِّ على الَّذِي أثنوا عَلَيْهِ شرا، وَصلى على الآخر.

وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: فِيهِ: دلَالَة على جَوَاز ذكر الْمَرْء بِمَا يُعلمهُ إِذا وَقعت الْحَاجة إِلَيْهِ، نَحْو سُؤال القَاضِي الْمُزَكي وَنَحْوه.

٨٦٣١ - حدَّثنا عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ قَالَ حدَّثنا دَاوُدُ بنُ أبي الفُرَاتِ عنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ عنْ أبِي الأسْوَدِ قَالَ قَدِمْتُ المَدِينَةَ وقَدْ وَقَعَ بِهَا مَرَضٌ فَجَلَسْتُ إلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَمَرَّ بِهِمْ جَنَازَةُ فأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا خَيْرا فَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِأُخْرَى فَمَرَّتْ بِهِمْ جَنَازَةٌ فأُثْنِيَ عَلَى صاحِبِهَا خَيْرا فَقَالَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ وَجَبَتْ ثُمَّ مُرَّ بِالثَّالِثَةِ فأُثْنِيَ عَلَى صَاحِبِهَا شرَّا فَقَالَ وَجَبَتْ فَقَالَ أبُو الأسْوَدِ فقُلْتُ وَمَا وَجَبَتْ يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَالَ قُلْتُ كَمَا قالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أيُّمَا مُسْلِمٍ شَهِدَ لَهُ أرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ أدْخَلَهُ الله الجَنَّةَ فقُلْنَا وثَلَاثَةٌ قَالَ وثَلَاثَةٌ فقُلْنَا واثْنَان قالَ واثْنَانِ ثُمَّ لَمْ نَسْألْهُ عنِ الوَاحِدِ.

(الحَدِيث ٨٦٣١ طرفه فِي: ٣٤٦٢) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة قَوْله: (حَدثنَا) ، كَذَا وَقع لأكْثر الروَاة، وَذكر أَصْحَاب الْأَطْرَاف أَنه أخرجه قَائِلا: قَالَ عَفَّان،

<<  <  ج: ص:  >  >>